نفس الوقت على العلاقة المتينة التي تربط المذهب بالقانون، بوصفهما جزءين من بناء نظري كامل للمجتمع. فليس المهمّ فقط أن نرتفع إلى مستوى التمييز بين المذهب الاقتصادي والقانون المدني، بل لا بدّ أن ندرك باستيعاب أيضاً الروابط التي تشدّ أحدهما إلى الآخر؛ باعتبارهما مندمجين في مركّب عضوي نظري واحد.
فالمذهب الاقتصادي بنظريّاته وقواعده يشكّل قاعدة لبناء فوقي من القانون، ويعتبر عاملًا مهمّاً في تحديد اتّجاهه العامّ. وكون المذهب قاعدة نظريّة للقانون لا ينفي اعتبار المذهب بدوره بناءً عُلويّاً لقاعدة يرتكز عليها، فإنّ البناء النظري الكامل للمجتمع يقوم على أساس نظرة عامّة، ويضمّ طوابق متعدّدة يرتكز بعضها على بعض، ويعتبر كلّ طابق متقدّمٌ أساساً وقاعدةً للطابق العلْوي المشاد عليه. فالمذهب والقانون طابقان من البناء النظري، والقانون هو الطابق العلْوي منهما الذي يتكيّف وفقاً للمذهب، ويتحدّد في ضوء النظريّات والمفاهيم الأساسيّة التي يعبّر عنها ذلك المذهب.
ولنأخذ لأجل التوضيح مثالًا على ذلك من المذهب الرأسمالي الحرّ في الاقتصاد وعلاقاته بالقوانين المدنيّة على صعيدها النظري والواقعي؛ لتتجسّد لنا الصلة بين المذهب والقانون، ومدى تأثّر القانون نظريّاً وواقعيّاً بالنظريّات المذهبيّة.
ففي مجال الحقوق الشخصيّة من القانون المدني نستطيع أن نفهم أثر المذهب فيه إذا عرفنا أنّ نظريّة الالتزام- وهي حجر الزاوية في القانون المدني- قد استمدّت محتواها النظري من طبيعة المذهب الرأسمالي، في الفترة التي طغت فيها الأفكار الرأسماليّة على الحرّية الاقتصاديّة، وسيطرت مبادئ الاقتصاد الحرّ على التفكير العامّ، فكان من نتيجة ذلك ظهور مبدأ سلطان الإرادة في نظريّة