ثمّ ماذا بعد ذلك؟! ليس بعد ذلك إلّاأن نرى الأقوياء في الحقل الاقتصادي يغتنمون هذه الفرص التي أتاحها لهم النقد، فيتّجهون نحو الاكتناز بكلّ قواهم نحو البيع لأجل الادّخار، فيظلّون ينتجون ويبيعون ليسحبوا النقد المتداول في المجتمع إلى كنوزهم، ويمتصّوه بالتدريج، ويعطّلوا وظيفة المبادلة كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك، ويضطرّوا الكثرة الكاثرة إلى مهاوي البؤس والفقر، وبالتالي يتوقّف الاستهلاك نظراً إلى انخفاض المستوى الاقتصادي للجمهور وعجزهم عن الشراء، كما تتعطّل حركة الإنتاج؛ لأنّ انعدام القدرة الشرائيّة عند المستهلكين أو انخفاضها يجرّد الإنتاج من أرباحه، ويعمّ الكساد شُعَب الحياة الاقتصاديّة كلّها.
ولا تقف مشاكل النقد عند هذا الحدّ، بل إنّ النقد قد أدّى إلى مشكلة قد تكون أخطر من المشاكل التي عرضناها، فلم يقتصر النقد على أن يكون أداة اكتناز، بل أصبح أداة تنمية للمال عن طريق الفائدة التي يتقاضاها الدائنون من مدينيهم، أو يتقاضاها أصحاب الأموال من المصارف الرأسماليّة التي يودعون أموالهم فيها، وهكذا أصبح الاكتناز في البيئة الرأسماليّة سبباً لتنمية الثروة بدلًا عن الإنتاج، وانسحبت بذلك رؤوس أموال كثيرة من حقل الإنتاج إلى صناديق الادّخار في المصارف، وأصبح التاجر لا يقدم على مشروع من مشاريع الإنتاج والتجارة إلّاإذا اطمأنّ إلى أنّ الربح الذي يدرّه المشروع عادة أكثر من الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها عن طريق إقراض ماله أو إيداعه في المصارف.
وأخذت الأموال على أساس الفائدة الربويّة تتسرّب إلى الصيارفة منذ بداية العصر الرأسمالي، حيث أخذ هؤلاء يجذبون الكمّيات المكتنزة من النقد عند مختلف الأفراد عن طريق إغرائهم بالفائدة السنويّة التي يتقاضاها زبائن المصرف عن أموالهم التي يودعونها فيه، فتجمّعت تلك الكمّيات المختلفة في كنوز