ولكنّ ظلم الإنسان- كما يعبّر القرآن الكريم[1]– الذي حرّم الإنسانيّة من بركات الحياة وخيراتها، وتدخّل في مجال التوزيع على حساب هذا الحقّ أو ذاك سرى أيضاً إلى المبادلة حتّى طوّرها وصيّرها أداة استغلال وتعقيد، لا أداة إشباع للحاجات وتيسير للحياة، وواسطة بين الإنتاج والادّخار، لا بين الإنتاج والاستهلاك. فنشأ عن الوضع الظالم للمبادلة من المآسي وألوان الاستغلال نظير ما نشأ عن الأوضاع الظالمة للتوزيع في مجتمعات الرقّ والإقطاع، أو في مجتمعات الرأسماليّة والشيوعيّة.
ولكي نشرح وجهة نظر الإسلام عن المبادلة لا بدّ لنا أن نعرف رأي الإسلام في السبب الأساسي الذي جعل من المبادلة أداة ظالمة للاستغلال، وما هي النتائج التي تمخّض عنها، ثمّ ندرس الحلول التي تقدّم بها الإسلام للمشكلة، وكيف أعطى للمبادلة صيغتها العادلة وقوانينها التي تواكب أغراضها الرشيدة في الحياة؟
[أشكال المبادلة:]
وقبل كلّ شيء يجب أن نلاحظ أنّ للمبادلة شكلين:
أحدهما: المبادلة على أساس المقايضة.
والآخر: المبادلة على أساس النقد.
فالمبادلة على أساس المقايضة: مبادلة سلعة باخرى. وهذا الشكل هو أسبق أشكال المبادلة تاريخيّاً، فقد كان كلّ منتج- في المجتمعات الآخذة بالتخصّص وتقسيم العمل- يحصل على السلع التي لا ينتجها، نظير الفائض من
[1] قال تعالى:« وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» سورة إبراهيم: 34