عمله عن الآخرين الأمر الذي يعبّر عنه في المدلول الاجتماعي بالتملّك، وأمّا نوعيّة الحقوق التي تترتّب على هذا الاختصاص فلا تقرّر وفقاً لميل طبيعي، وإنّما يقرّرها النظام الاجتماعي وفقاً لما يتبنّاه من أفكار ومصالح. فمثلًا: هل من حقّ العامل الذي تملّك السلعة بالعمل أن يبذِّر بها ما دامت مالًا خاصّاً به؟ أو هل من حقّه أن يستبدلها بسلعة اخرى، أو أن يتّجر بها وينمّي ثروته عن طريق جعلها رأس مال تجاري أو ربوي؟ .. إنّ الجواب على هذه الأسئلة وما شاكلها يقرّره النظام الاجتماعي الذي يحدّد للملكيّة الخاصّة حقوقها، ولا يتّصل بالفطرة والغريزة.
ولأجل هذا تدخّل الإسلام في تحديد حقوق الاختصاص هذه، فأنكر بعضها واعترف بالبعض الآخر وفقاً للمُثُل والقِيَم التي يتبنّاها. فقد أنكر مثلًا حقّ المالك في التبذير بماله أو الإسراف به في مجال الإنفاق، وأقرّ حقّه في الاستمتاع به دون تبذير أو إسراف، وأنكر حقّ المالك في تنمية أمواله التي يملكها عن طريق الربا، وأجاز له تنميتها عن طريق التجارة ضمن حدود وشروط خاصّة وتبعاً لنظريّاته العامّة في التوزيع التي سوف ندرسها في الفصول المقبلة إن شاء اللَّه.
[تحديد الملكيّة الخاصّة:]
والأمر الآخر الذي يستنتج من قاعدة (أنّ العمل سبب الملكيّة) هو تحديد مجال الملكيّة الخاصّة وفقاً لمقتضيات هذه القاعدة، فإنّ العمل إذا كان هو الأساس الرئيسي للملكيّة الخاصّة فيجب أن يقتصر نطاق الملكيّة الخاصّة على الأموال التي يمكن للعمل أن يتدخّل في إيجادها أو تركيبها، دون الأموال التي ليس للعمل فيها أدنى تأثير.
وعلى هذا الأساس تنقسم الأموال بحسب طبيعة تكوينها وإعدادها إلى