ينظر إلى المجتمع بوصفه كائناً كبيراً يذوب فيه الأفراد، ويحتلّ كلّ فرد منه موضع الخليّة في الكائن العضوي الواحد. وعلى أساس هذه النظرة التي تصهر الأفراد في البوتقة الاجتماعيّة الكبرى، وتذيبهم في العملاق الكبير لا تبدو الأعمال التي يقوم بها أفراد المجتمع أعمالًا لأفراد؛ لأنّ الأفراد قد ذابوا جميعاً ضمن الكائن الكبير. فتنقطع بذلك صلة العامل بنتائج عمله، ويصبح المجتمع هو العامل الحقيقي والمالك لنتاج عمل الأفراد جميعاً، وليس للأفراد إلّاإشباع حاجاتهم، وفقاً للصيغة الشيوعيّة- التي مرّت بنا سابقاً في دراستنا للمادّية التاريخيّة-: (من كلٍّ وفقاً لطاقته، ولكلٍّ وفقاً لحاجته). فالأفراد في المجتمع الشيوعي يشبهون تماماً الأجزاء التي يتكوّن منها جهاز ميكانيكي، فإنّ كلّ جزء في الجهاز له الحقّ في استهلاك ما يحتاجه من زيت، وعليه القيام بوظيفته الخاصّة، وبذلك قد تستهلك الأجزاء الميكانيكيّة جميعاً حظوظاً متساوية من الزيت بالرغم من اختلاف وظائفها في أهمّيتها وتعقيدها. وكذلك أفراد المجتمع يُعطى كلّ منهم في نظام التوزيع الشيوعي وفقاً لحاجته، وإن اختلفوا في مدى مساهمتهم العمليّة في إنتاج الثروة. فالشخص يعمل ولكنّه لا يملك ثمرة عمله ولا يختصّ بنتائجه، وإنّما له الحقّ في إشباع حاجته سواء زاد ذلك على عمله أم قلّ عنه[1].
وعلى هذا الأساس يصبح موقف العمل من التوزيع سلبيّاً، فهو في ضوء المفهوم الشيوعي أداة إنتاج للسلع، وليس أداة توزيع لها، وإنّما الحاجة وحدها هي التي تقرّر الطريقة التي يتمّ بها توزيع السلع على أفراد المجتمع، ولهذا يختلف
[1] هذا في الاتّجاهات الشيوعيّة غير الماركسيّة، وأمّا الماركسيّة فلها طريقتها الخاصّة في تبرير ذلك على ضوء مفهومها التاريخي عن المرحلة الشيوعيّة، راجع مبحث: مع الماركسيّة، الشيوعيّة، من هذا الكتاب.( المؤلّف قدس سره)