موسوعة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره، ج3، ص: 374
الإسلام من هذا المنطق- الذي يردّ كلّ وعي وفكرة إلى تطوّر الإنتاج- هازئاً؛ لأ نّه استطاع أن يرفع لواء المساواة، وأن يفجّر في الإنسانيّة وعياً صحيحاً وإدراكاً شاملًا، واستطاع أيضاً أن يعكس جوهرها في واقع العلاقات الاجتماعيّة بدرجة لم تصل إليها البورجوازيّة، استطاع أن يقوم بذلك كلّه قبل أن يأذن اللَّه بظهور الطبقة البورجوازيّة، وقبل أن توجد شروطها المادّية بعشرة قرون، فقد نادى بالمساواة يوم لم تكن قد وجدت الآلة، فقال: «كلّكم لآدم وآدم من تراب»[1]، و «الناس سواسية كأسنان المشط»[2]، «لا فضل لعربي على أعجمي إلّابالتقوى»[3].
فهل استوحى المجتمع الإسلامي هذه المساواة من وسائل الإنتاج البورجوازي التي لم تظهر إلّابعد ذلك بألف سنة؟! أو استوحاها من وسائل الزراعة والتجارة البدائيّة التي كان المجتمع الحجازي يعيش عليها، وهي وسائل كانت توجد بدرجة أكثر نموّاً وأعظم تطوّراً في مجتمعات عربيّة وعالميّة اخرى؟! فلماذا أوحت إلى المجتمع الحجازي بفكرة المساواة، وجنّدته للقيام بأروع دور تاريخي في سبيل تحقيق هذه الفكرة، ولم تصنع نظير ذلك مع المجتمعات العربيّة في اليمن أو الحيرة أو الشام؟!
وتحدّى الإسلام أيضاً حسابات الماديّة التاريخيّة مرّةً اخرى، فبشّر بمجتمع عالمي يجمع الإنسانيّة كلّها على صعيد واحد، وعمل جاهداً في سبيل تحقيق هذه الفكرة في بيئة كانت تضجّ بالصراع القبلي، وتزخر بآلاف المجتمعات
[1] تحف العقول: 34
[2] تحف العقول: 368، وفيه:« سواء» بدل« سواسية»
[3] كنز العمّال 3: 93، الحديث 5652، مع اختلافٍ يسير