الإنتاج مبرّراً لقيام نظام اجتماعي وعلاقات توزيع لا تكفل إشباع تلك الحاجات؛ لأنّه ينكر تلك الصلة الحتميّة المزعومة بين أشكال الإنتاج والنظم الاجتماعيّة.
***
والإسلام حين ينكر هذه الصلة لا يقرّر ذلك نظريّاً فحسب، بل هو يقدّم الدليل العملي على ذلك من وجوده التاريخي. فقد سجّل الإسلام في تجربته الواقعيّة للحياة نصراً فكريّاً وبرهاناً حيّاً على كذب تلك الصلة المزعومة بين النظام الاجتماعي وأشكال الإنتاج، ودلّل على أنّ الإنسانيّة تستطيع أن تكيّف وجودها الاجتماعي تكييفاً انقلابيّاً جديداً، بينما يظلّ اسلوبها في الإنتاج كما هو دونما تغيير.
فإنّ الواقع الإسلامي الذي عاشته الإنسانيّة لحظة قصيرة من عمر الزمن المديد، وأحدث فيها أروع تطوير شهدته الاسرة البشريّة لم يكن هذا الواقع الانقلابي الذي خلق امّة، وأقام حضارة، وعدّل من سير التاريخ وليد اسلوب جديد في الإنتاج، أو تغيّرٍ في أشكاله وقواه. ولم يكن من الممكن في منطق التفسير الاشتراكي للتاريخ- الذي يربط النظام الاجتماعي بوسائل الإنتاج- أن يوجد هذا الانقلاب الشامل الذي تدفّق إلى كلّ جوانب الحياة دون أن يسبقه أيّ تحوّل أساسي في ظروف الإنتاج.
وهكذا تحدّى الواقع الإسلامي منطق الماركسيّة التاريخي في كلّ حساباتها وفي كلّ شيء، نعم في كلّ شيء، فقد تحدّاها في فكرة المساواة؛ لأنّ الماركسيّة ترى أنّ فكرة المساواة من نتاج المجتمع الصناعي الذي يتفتّح عن الطبقة التي تحمل لواء المساواة وهي البورجوازيّة، وليس من الممكن في رأيها حمل هذا اللواء قبل أن يبلغ التطوّر التاريخي هذه المرحلة الصناعيّة. ويقف