الإنسان هو القوّة المحرّكة للتاريخ، لا وسائل الإنتاج، وفيه نجد ينابيع الحياة الاجتماعيّة. فقد خُلق الإنسان مفطوراً على حبّ ذاته والسعي وراء حاجاته، وبالتالي استخدام كلّ ما حوله في سبيل ذلك، وكان من الطبيعي أن يجد الإنسان نفسه مضطرّاً إلى استخدام الإنسان الآخر في هذا السبيل أيضاً؛ لأنّه لا يتمكّن من إشباع حاجاته إلّاعن طريق التعاون مع الأفراد الآخرين، فنشأت العلاقات الاجتماعيّة على أساس تلك الحاجات، واتّسعت تلك العلاقات ونمت باتّساع تلك الحاجات ونموّها خلال التجربة الحياتيّة الطويلة للإنسان. فالحياة الاجتماعيّة إذن وليدة الحاجات الإنسانيّة، والنظام الاجتماعي هو الشكل الذي ينظّم الحياة الاجتماعيّة وفقاً لتلك الحاجات الإنسانيّة.
ونحن إذا درسنا الحاجات الإنسانيّة وجدنا أنّ فيها جانباً رئيسيّاً ثابتاً على مرّ الزمن، وفيها جوانب تستجدّ وتتطوّر طبقاً للظروف والأحوال. فهذا الثبات الذي نجده في تركيب الإنسان العضوي وقواه العامّة، وما اودع فيه من أجهزة للتغذية والتوليد وإمكانات للإدراك والإحساس يعني حتماً اشتراك الإنسانيّة كلّها في خصائص وحاجات وصفات عامّة، الأمر الذي جعلها امّة واحدة في خطاب اللَّه لأنبيائه: «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ»[1].
ومن ناحية اخرى نجد أنّ عدداً كبيراً من الحاجات يدخل في نطاق الحياة الإنسانيّة بالتدريج، وينمو من خلال تجارب الحياة وزيادة الخبرة بملابساتها وخصائصها. فالحاجات الرئيسيّة ثابتة إذن، والحاجات الثانويّة تستجدّ وتتطوّر وفقاً لنموّ الخبرة بالحياة وتعقيداتها.
وإذا عرفنا إلى جانب ذلك أنّ الحياة الاجتماعيّة نابعة من الحاجات
[1] سورة الأنبياء: 92