وأمّا التفسير العلمي على الأساس الثاني فمن الممكن استخدامه في سبيل توضيح بعض الحقائق التي تتميّز بها الحياة الاقتصاديّة في المجتمع الإسلامي بالانطلاق من نقاط مذهبيّة معيّنة، واستنتاج آثارها في مجال التطبيق المفترض، ووضع نظريّات عامّة عن الجانب الاقتصادي في المجتمع الإسلامي على ضوء تلك النقاط المذهبيّة.
فمثلًا يمكن للباحث الإسلامي القول: بأنّ مصالح التجارة متّفقة في المجتمع الإسلامي مع مصالح الماليّين وأصحاب المصارف؛ لأنّ المصرف في المجتمع الإسلامي يقوم على أساس المضاربة، لا على أساس الربا، فهو يتّجر بأموال زبائنه ويوزّع الأرباح بينه وبينهم بنسبة مئويّة معيّنة من الربح، وفي النهاية يتوقّف مصيره المالي على مدى الربح التجاري الذي يجنيه، لا على الفائدة التي يقتطعها من الديون. فهذه الظاهرة- ظاهرة الاتّفاق بين مصالح المصارف ومصالح التجارة- هي بطبيعتها ظاهرة موضوعيّة ينطلق الباحث إلى استنتاجها من نقطة هي: إلغاء النظام الربوي للمصارف في المجتمع الإسلامي[1].
ويمكن للباحث أيضاً بالانطلاق من نقطة كهذه أن يقرّر ظاهرة موضوعيّة اخرى، وهي: نجاة المجتمع الإسلامي من عامل رئيسي للأزمات التي تُمنى بها الحياة الاقتصاديّة في المجتمع الرأسمالي، فإنّ دورات الإنتاج والاستهلاك في مجتمع قائم على أساس الربا يعرقلها هذا الجزء الكبير من الثروة الأهليّة الذي يدّخر طمعاً بالفائدة الربويّة، ويسحب بذلك من مجالات الإنتاج والاستهلاك، الأمر الذي يؤدّي إلى كساد قسم كبير من الإنتاج الاجتماعي للبضائع الرأسماليّة
[1] راجع للتفصيل: البنك اللاربوي في الإسلام، للمؤلّف قدس سره مبحث:( مفهوم المضاربة في الفقه الإسلامي) و( إلغاء العنصر الربوي من الفائدة)