وكنت أرجو أن يكون لقاؤنا هذا أقرب ممّا كان، ولكن ظروفاً قاهرة اضطرت إلى شيء من التأخير، بالرغم من الجهود التي بذلتها بالتضامن مع عضدي المفدّى العلّامة الجليل السيّد محمّد باقر الحكيم في سبيل إنجاز هذه الدراسة ووضعها بين أيديكم في أقرب وقت ممكن.
***
وبودّي أن أقول هنا وفي المقدّمة شيئاً عن كلمة (اقتصادنا) أو كلمة (الاقتصاد الإسلامي) الذي تدور حوله بحوث الكتاب، وما أعنيه بهذه الكلمة حين اطقلها؛ لأنّ كلمة (الاقتصاد) ذات تأريخ طويل في التفكير الإنساني، وقد أكسبها ذلك شيئاً من الغموض نتيجة للمعاني التي مرّت بها، وللازدواج في مدلولها بين الجانب العلمي من الاقتصاد والجانب المذهبي. فحين نريد أن نعرف مدلول الاقتصاد الإسلامي بالضبط يجب أن نميّز علم الاقتصاد عن المذهب الاقتصادي، وندرك مدى التفاعل بين التفكير العلمي والتفكير المذهبي، لننتهي من ذلك إلى تحديد المقصود من الاقتصاد الإسلامي الذي نتوفّر على دراسته في هذا الكتاب.
فعلم الاقتصاد: هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصاديّة وأحداثها وظواهرها، وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامّة التي تتحكّم فيها.
وهذا العلم حديث الولادة، فهو لم يحدث- بالمعنى الدقيق للكلمة- إلّافي بداية العصر الرأسمالي منذ أربعة قرون تقريباً، وإن كانت جذوره البدائية تمتدّ إلى أعماق التأريخ، فقد ساهمت كلّ حضارة في التفكير الاقتصادي بمقدار ما اتيح لها من إمكانات، غير أنّ الاستنتاج العلمي الدقيق الذي نجده لأوّل مرّة في علم الاقتصاد السياسي مدين للقرون الأخيرة.