[المشكلة في توفير المصالح الاجتماعيّة:]
وأمّا المصالح الاجتماعيّة فهي بدورها تتوقّف أيضاً- كما عرفنا- على إدراك الإنسان للتنظيم الاجتماعي الذي يصلحه، وعلى الدافع النفسي نحو إيجاد ذلك التنظيم وتنفيذه. فما هو نصيب الإنسان من هذين الشرطين بالنسبة إلى المصالح الاجتماعيّة، وهل جهّز الإنسان بالقدرة الفكريّة على إدراك مصالحه الاجتماعيّة، وبالدافع الذي يدفعه إلى تحقيقها كما جهّز بذلك بالنسبة إلى مصالحه الطبيعيّة؟
ولنأخذ الآن الشرط الأوّل: فمن القول الشائع: إنّ الإنسان لا يستطيع أن يدرك التنظيم الاجتماعي الذي يكفل له كلّ مصالحه الاجتماعيّة، وينسجم مع طبيعته وتركيبه العامّ؛ لأنّه أعجز ما يكون عن استيعاب الموقف الاجتماعي بكلّ خصائصه، والطبيعة الإنسانيّة بكلّ محتواها، ويخلص أصحاب هذا القول إلى نتيجة هي: أنّ النظام الاجتماعي يجب أن يوضع للإنسانيّة، ولا يمكن أن تترك الإنسانيّة لتضع بنفسها النظام ما دامت معرفتها محدودة وشروطها الفكريّة عاجزة عن استكناه أسرار المسألة الاجتماعيّة كلّها.
وعلى هذا الأساس يقدّمون الدليل على ضرورة الدين في حياة الإنسان، وحاجة الإنسانيّة إلى الرسل والأنبياء بوصفهم قادرين عن طريق الوحي على تحديد المصالح الحقيقيّة للإنسان في حياته الاجتماعيّة وكشفها للناس.
غير أنّ المشكلة في رأينا تبدو بصورة أكثر وضوحاً حين ندرس الشرط الثاني، فإنّ النقطة الأساسيّة في المشكلة ليست هي: كيف يدرك الإنسان المصالح