الصليبيّون أن يعرضوا هذا الحكم من الشريعة الإسلاميّة منفصلًا عن شروطه وملابساته؛ ليبرهنوا على أنّ الإسلام شريعة من شرائع الرقّ والاستعباد التي مني بها الإنسان منذ ظلمات التاريخ، ولم ينقذه منها سوى الحضارات الاوروبيّة الحديثة التي حرّرت الإنسانيّة لأوّل مرّة ومسحت عنها الوحل والهوان.
ولكنّنا في دراسة مخلصة للإسلام وحكمه في الغنيمة يجب أن نعرف- قبل كلّ شيء- متى يعتبر الشيء غنيمة في نظر الإسلام؟ ونعرف بعد ذلك كيف وفي أيّ حدود سمح الإسلام لوليّ الأمر باسترقاق الأسير بوصفه غنيمة؟ ومن هو هذا الحاكم الذي ابيح له استرقاق الأسير بهذا الوصف؟ فإذا استوعبنا هذه النواحي كلّها استطعنا أن ننظر إلى حكم الإسلام في الغنيمة نظرة صحيحة.
فالشرط الأساسي لمفهوم الغنيمة في نظر الإسلام الحصول عليها في حرب جهاديّة مشروعة ومعركة عقائديّة. فما لم تكتسب الحرب طابع الجهاد لا يكون المال غنيمة. وهذا الطابع يتوقّف على أمرين:
أحدهما: أن تكون الحرب بإذن من وليّ الأمر في سبيل حمل الدعوة الإسلاميّة[1]. فليس من الجهاد بشيء حروب السلب والنهب، كالمعارك الجاهليّة، أو القتال في سبيل الظفر بثروات البلاد وأسواقها، كالحروب الرأسماليّة.
والأمر الآخر: أن يبدأ الدعاة الإسلاميّون قبل كلّ شيء بالإعلان عن رسالتهم الإسلاميّة، وإيضاح معالمها الرئيسيّة معزّزة بالحجج والبراهين، حتّى إذا تمّت للإسلام حجّته ولم يبقَ للآخرين مجال للنقاش المنطقي السليم، وظلّوا بالرغم من ذلك مصرّين على رفض النور عند ذاك لا يوجد أمام الدعوة الإسلاميّة- بصفتها دعوة فكريّة عالميّة تتبنّى المصالح الحقيقيّة للإنسانيّة- إلّاأن تشق
[1] وسائل الشيعة 15: 45، الباب 12 من أبواب جهاد العدوّ