إمكان الاعتماد بصورة كاملة في إبراز هذه الأخطاء على ما كتبه الاستاذ الجليل محمّد المبارك في مقدّمة الكتاب والاستاذ الدكتور نبيل صبحي الطويل الذي ترجم الكتاب إلى العربية فإنّ بودّي أن أتوسّع في فرصة مقبلة بهذا الصدد، مكتفياً الآن بالقول بأنّ اتجاه إنسان العالم الإسلامي إلى السماء لا يعني بمدلوله الأصيل استسلام الإنسان للقدر واتكاله على الظروف والفرص وشعوره بالعجز الكامل عن الخلق والإبداع كما حاول ذلك جاك اوستروي، بل إنّ هذا الاتجاه لدى الإنسان المسلم يعبّر في الحقيقة عن مبدأ خلافة الإنسان في الأرض، فهو يميل بطبيعته إلى إدراك موقفه في الأرض باعتباره خليفة للّه، ولا أعرف مفهوماً أغنى من مفهوم الخلافة للّه في التأكيد على قدرة الإنسان وطاقاته التي تجعل منه خليفة السيّد المطلق في الكون، كما لا أعرف مفهوماً أبعد من مفهوم الخلافة للَّهعن الاستسلام للقدر والظروف؛ لأنّ الخلافة تستبطن معنى المسؤولية تجاه ما يستخلف عليه، ولا مسؤولية بدون حرية وشعور بالاختيار والتمكّن من التحكّم في الظروف، وإلّا فأيّ استخلاف هذا إذا كان الإنسان مقيّداً أو مسيّراً؟! ولهذا قلنا: إنّ إلباس الأرض إطار السماء يفجّر في الإنسان المسلم طاقاته ويثير إمكاناته، بينما قطع الأرض عن السماء يعطّل في الخلافة معناها ويجمّد نظرة الإنسان المسلم إلى الأرض في صيغة سلبية، فالسلبية لا تنبع عن طبيعة نظرة إنسان العالم الإسلامي إلى السماء، بل عن تعطيل قوى التحريك الهائلة في هذه النظرة بتقديم الأرض إلى هذا الإنسان في إطار لا ينسجم مع تلك النظرة.
وإضافة إلى كلّ ما تقدّم نلاحظ أنّ الأخذ بالإسلام أساساً للتنظيم العامّ يتيح لنا أن نقيم حياتنا كلّها بجانبيها الروحي والاجتماعي على أساس واحد؛ لأنّ الإسلام يمتدّ إلى كلا الجانبين، بينما تقتصر كثير من المناهج الاجتماعية الاخرى