ج- الحرّية تعبير أصيل عن الكرامة الإنسانيّة:
ولم يبقَ بعد هذا إلّاالفكرة الثالثة عن الحرّية، التي تقدّر الحرّية بمعيار ذاتي وتضفي عليها قيمة معنوية وخُلُقيّة أصيلة بوصفها المظهر الجوهري للكرامة وتحقيق الذات اللذين لا يعود للحياة بدونهما أيّ معنى.
[الحرّية الطبيعيّة والحرّية الاجتماعيّة:]
ويجب أن نشير قبل كلّ شيء إلى أنّ هناك لونين من الحرّية، وهما: الحرّية الطبيعيّة والحرّية الاجتماعيّة. فالحرّية الطبيعيّة هي الحرّية الممنوحة من قبل الطبيعة نفسها. والحرّية الاجتماعيّة هي الحرّية التي يمنحها النظام الاجتماعي، ويكفلها المجتمع لأفراده، ولكلٍّ من هاتين الحرّيتين طابعها الخاصّ. فلا بدّ لنا- ونحن ندرس مفاهيم الرأسماليّة عن الحرّية- أن نميّز إحدى هاتين الحرّيتين عن الاخرى؛ لئلّا نمنح إحداهما صفات الاخرى وخصائصها.
فالحرّية الطبيعيّة عنصر جوهري في كيان الإنسان، وظاهرة أساسيّة تشترك فيها الكائنات الحيّة بدرجات مختلفة تبعاً لمدى حيويّتها، ولذلك كان نصيب الإنسان من هذه الحرّية أوفر من نصيب أيّ كائن حيّ آخر، وهكذا كلّما ازداد حظّ الكائن من الحياة عظم نصيبه من الحرّية الطبيعيّة.
ولكي نعرف جوهر هذه الحرّية الطبيعيّة نبدأ بملاحظة الكائنات غير الحيّة في سلوكها، فإنّ الطبيعة ترسم لهذه الكائنات اتّجاهات محدّدة، وتفرض لكلّ كائن السلوك الذي لا يمكن أن يحيد عنه، فالحجر مثلًا قد فرضت عليه الطبيعة سلوكاً محدّداً وفقاً لقوانين كونيّة عامّة، فلا نترقّب منه مثلًا أن يتحرّك ما لم نحرّكه، ولا نترقّب منه إذا حرّكناه أن يتحرّك في غير الاتّجاه الذي نحرّكه فيه،