توزيع الناتج العامّ على أفراد المجتمع. فالرفاه العامّ إذن لا يتعلّق بكمّية الناتج العامّ بمقدار ما يتعلّق بكيفيّة تقسيم هذا الناتج على الأفراد.
والمذهب الرأسمالي أعجز ما يكون عن امتلاك الكفاءة التوزيعيّة التي تضمن رفاه المجتمع وسعادة الجميع؛ لأنّ الرأسماليّة المذهبيّة تعتمد في التوزيع على جهاز الثمن، وهو يعني: أنّ من لا يملك ثمن السلعة ليس له حقّ في العيش والحياة، وبذلك يقضى بالموت أو الحرمان على من كان عاجزاً عن اكتساب هذا الثمن؛ لعدم قدرته على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات، أو لعدم تهيّؤ فرصة للمساهمة، أو لوقوعه فريسة بيد منافسين أقوياء قد سدّوا في وجهه كلّ الفرص.
ولهذا كانت بطالة الأيدي العاملة في المجتمعات الرأسماليّة من أفجع الكوارث الإنسانيّة؛ لأنّ العامل حين يستغني الرأسمالي عن خدماته لأيّ سبب من الأسباب لا يجد الثمن الذي يحصل به على ضروراته وحاجاته ويصبح مرغماً على حياة البؤس والجوع؛ لأنّ الثمن هو جهاز التوزيع، وما دام لم يحصل منه على شيء في السوق فلا نصيب له من الثروة المنتجة مهما كانت فاحشة.
فليست المبالغة في كفاءة المذهب الرأسمالي وقدرته على تنمية الإنتاج إلّا تضليلًا وستراً للجانب المظلم منه، الذي يحكم في مجال التوزيع بالحرمان والإعدام دون مبالاة على من لم يعرف كلمة السرّ، ولم يحصل على القِطَع السحريّة، على النقود.
وفي هذا الضوء لا يمكننا أن نعتبر مجرّد الإنتاج مبرّراً من الناحية الخُلُقيّة والعمليّة لمختلف الوسائل التي تتيح لحركة الإنتاج انطلاقاً أوسع وحقلًا أخصب؛ لأنّ وفرة الإنتاج- كما عرفنا- ليست هي التعبير الكامل عن الرفاه الاجتماعي العامّ.