الآخرين، فيهبط باجورهم إلى مستوى قد لا يحفظ لهم حياتهم، ولا يمكّنهم حتّى من إشباع بعض ضروراتهم، كما قد يقذف بعدد هائل منهم إلى الشارع يقاسون آلام الموت جوعاً، لا لشيء إلّالأنّه يتمتّع بحرّية غير محدودة. ولا بأس على العمّال من الدمار والموت جوعاً ما دام الاقتصاد الرأسمالي يقدّم لهم بصيصاً من الأمل، وكوّة من نور، ولكن ما هو هذا الأمل الذي يبعثه في نفوسهم؟ إنّه هو الأمل في انخفاض عددهم بسبب تراكم البؤس والمرض، إيواللَّه إنّ هذا هو الأمل الذي يقدّمه القانون الحديدي للُاجور إلى العمّال! قائلًا لهم: اصبروا قليلًا حتّى يصرع الجوع والبؤس قسماً كبيراً منكم، فيقلّ عددكم ويصبح العرض مساوياً للطلب، فترتفع اجوركم وتتحسّن حالتكم.
هذا هو التوافق الاسطوري المزعوم بين الدوافع الذاتيّة في ظلّ الحرّية الرأسماليّة والمصالح العامّة. هذا التوافق الذي اضطرّ الرأسماليّون أنفسهم إلى التنازل عن الإيمان به، والاتّجاه إلى فكرة تحديد الحرّية بالقِيَم والضمانات.
وإذا كان هذا هو حظّ الحياة الاقتصاديّة في المجتمع الرأسمالي من الحرّية الرأسماليّة وآثارها فإنّ ما يصيب المحتوى الروحي للُامّة من شرارة تلك الحرّية المجرّدة أقسى وأمر، حيث تتلاشى بصورة عامّة مشاعر البرّ والخير والإحسان، وتطغى مفاهيم الأنانيّة والجشع، وتسود في المجتمع روح الصراع في سبيل البقاء بدلًا عن روح التعاون والتكافل. وما ظنّك بفرد يتجاوب مع المفهوم المطلق للحرّية الرأسماليّة، إذا تطلّبت منه القِيَم الخُلُقيّة والموقف الاجتماعي شيئاً من المفاداة والتضحية بمصالحه الخاصّة؟! وحتّى إذا دفعته مصلحته الخاصّة أحياناً إلى تحقيق المصالح العامّة بوصفها في صالحه أيضاً، فإنّ هذا وإن كان قد يؤدّي إلى نفس النتيجة التي تستهدفها القِيَم الروحيّة والخُلُقيّة من ناحية موضوعيّة ولكنّها لا تحقّق الجانب الذاتي من تلك القِيَم، ولا تصنع من الإنسان إنساناً في