وآثارها الخطيرة في مجرى الحياة الاقتصاديّة أوّلًا، وفي المحتوى الروحي للمجتمع ثانياً، وفي علاقات المجتمع الرأسمالي بغيره من المجتمعات ثالثاً، حتّى عاد الرأسماليّون أنفسهم يؤمنون بحاجة الرأسماليّة إلى التعديل والتحديد، ويحاولون شيئاً من الترقيع والترميم للتخلّص من تلك الآثار أو إخفائها عن الأبصار، وأصبحت الرأسماليّة في صيغتها المذهبيّة الكاملة مذهباً تاريخيّاً أكثر من كونه مذهباً يعيش في واقع الحياة.
أمّا في مجرى الحياة الاقتصاديّة للمجتمع الرأسمالي فليست الحرّية الرأسماليّة المطلقة إلّاسلاحاً جاهزاً بيد الأقوياء يشقّ لهم الطريق، ويعبّد أمامهم سبيل المجد والثروة على جماجم الآخرين؛ لأنّ الناس ما داموا متفاوتين في حظوظهم من المواهب الفكريّة والجسديّة والفُرص الطبيعيّة فمن الضروري أن يختلفوا في اسلوب الاستفادة من الحرّية الاقتصاديّة الكاملة التي يوفّرها المذهب الرأسمالي لهم، وفي درجات هذه الاستفادة. ويؤدّي هذا الاختلاف المحتوم بين القوي والضعيف إلى أن تصبح الحرّية التعبير القانوني عن حقّ القوي في كلّ شيء، بينما لا تعني بالنسبة إلى غيره شيئاً. ولمّا كانت الحرّية الرأسماليّة لا تقرّ بالرقابة- مهما كان لونها- فسوف يفقد الثانويّون في معركة الحياة كلّ ضمان لوجودهم وكرامتهم، ويظلّون في رحمة منافسين أقوياء لا يعرفون لحرّياتهم حدوداً من القِيَم الروحيّة والخُلُقيّة، ولا يُدخلون في حسابهم إلّامصالحهم الخاصّة.
وقد بلغ من هدر الكرامة الإنسانيّة نتيجة لهذه الحرّية الرأسماليّة أن بات الإنسان نفسه سلعة خاضعة لقوانين العرض والطلب، وأصبحت الحياة الإنسانيّة رهن هذه القوانين، وبالتالي رهن القانون الحديدي للُاجور. فإذا زادت القوى البشريّة العاملة وزاد المعروض منها على مسرح الإنتاج الرأسمالي انخفض سعرها؛ لأنّ الرأسمالي سوف يعتبر ذلك فرصة حسنة لامتصاص سعادته من شقاء