تتأ ثّر بكلّ المؤثّرات التي تطرأ على الوعي الإنساني، وبكلّ العوامل التي تتدخّل في إرادة الإنسان وميوله. وبَدهيّ أنّ إرادة الإنسان التي تعالجها تلك القوانين تتحدّد وتتكيّف وفقاً لأفكار الإنسان ومفاهيمه، ولنوعيّة المذهب السائد في المجتمع، ولون التشريعات التي تقيّد سلوك الأفراد. فهذه العوامل هي التي تملي على الإنسان إرادته وموقفه العملي، وحين تتغيّر تلك العوامل يختلف اتّجاه الإنسان وإرادته، وبالتالي تختلف القوانين العلميّة العامّة التي تفسّر مجرى الحياة الاقتصاديّة، فلا يمكن في كثير من الأحيان إعطاء قانون عامّ للإنسانيّة في الحياة الاقتصاديّة بمختلف إطاراتها الفكريّة والمذهبيّة والروحيّة. وليس من الصحيح علميّاً أن نترقّب من الإرادة الإنسانيّة في مجرى الحياة الاقتصاديّة أن تسير وتنشط دائماً وفي كلّ مجتمع كما تسير وتنشط في المجتمع الرأسمالي الذي درسه الاقتصاديّون الرأسماليّون، ووضعوا قوانين الاقتصاد السياسي في ضوئه ما دامت المجتمعات قد تختلف في إطاراتها الفكريّة والمذهبيّة والروحيّة، بل يجب أن تؤخذ هذه الإطارات كمدلولات ثابتة في مجال البحث العلمي. ومن الطبيعي أن تتكشّف نتائج البحث حينئذٍ عن القوانين الجارية ضمن تلك الإطارات خاصّة.
وعلى سبيل المثال نذكر القاعدة الرئيسيّة التي وضع في ضوئها كثير من قوانين الاقتصاد الكلاسيكي، وهي: القاعدة التي تجرّد من الإنسان الاجتماعي المحسوس إنساناً اقتصاديّاً يؤمن بالمصلحة الشخصيّة كهدف أعلى له في كلّ ميادين النشاط الاقتصادي. فقد افترض الاقتصاديّون- منذ البدء- أنّ كلّ فرد في المجتمع يستوحي اتّجاهه العملي في نشاطه الاقتصادي من مصلحته المادّية الخاصّة دائماً، وأخذوا يستكشفون القوانين العلميّة التي تتحكّم في مثل هذا المجتمع. وقد كان افتراضهم هذا على نصيب كبير من الواقع بالنسبة إلى المجتمع