الفيزياء والفلك، وكما تعمل القوانين الطبيعيّة في الإنتاج التي عرضناها في الفئة الاولى، وإنّما يمثّل قانون العرض والطلب ظواهر الحياة الواعية للإنسان. فهو يوضّح أنّ المشتري سيقدم- في الحالة التي ينصّ عليها القانون الآنف الذكر- على شراء السلعة بثمن أكبر من ثمنها في حالة مساواة الطلب للعرض، وأنّ البائع سيمتنع في تلك الحالة عن البيع إلّابذلك الثمن.
وتدخّل الإرادة الإنسانيّة في مجرى الحياة الاقتصاديّة لا يعني إبعاد الحياة الاقتصاديّة عن مجال القوانين العلميّة واستحالة البحث العلمي فيها، كما ذهب إلى ذلك وهم بعض المفكّرين في بداية ولادة الاقتصاد السياسي، إذ اعتقدوا أنّ طابع الحتميّة والضرورة للقوانين العلميّة يتنافى مع طبيعة الحرّية التي تعكسها الإرادة الإنسانيّة. فإذا اخضعت الحياة الإنسانيّة لقوانين علميّة صارمة كان ذلك مناقضاً لما يتمتّع به الإنسان في حياته من حرّية وانطلاق، إذ يصبح لدى خضوعه لتلك القوانين آلة جامدة تسير وتتكيّف ميكانيكيّاً طبقاً للقوانين الطبيعيّة التي تتحكّم في مجرى حياته الاقتصاديّة.
وهذا الوهم يرتكز على مفهوم خاطئ عن الحرّية الإنسانيّة، وإدراك معكوس للعلاقة بين الحرّية والإرادة وبين تلك القوانين. فإنّ وجود قوانين طبيعيّة لحياة الإنسان الاقتصاديّة لا يعني أنّ الإنسان يفقد حرّيته وإرادته، وإنّما هي قوانين للإرادة البشريّة تفسّر: كيف يستعمل الإنسان حرّيته في المجال الاقتصادي؟ فلا يمكن أن تعتبر إلغاءً لإرادة الإنسان وحرّيته.
[اختلاف القوانين الاقتصاديّة عن سائر القوانين العلميّة:]
ولكنّ هذه القوانين الاقتصاديّة تختلف عن القوانين العلميّة في مناحي الكون الاخرى في نقطة، وهي: أنّ هذه القوانين نظراً إلى علاقتها بإرادة الإنسان