والتدخّل في الشؤون الاقتصاديّة من الدولة يعني الوقوف في وجه الطبيعة وقوانينها التي كفلت للإنسانيّة رخاءها وحلّ جميع مشاكلها، فكلّ محاولة لإهدار شيء من الحرّيات الرأسماليّة تعتبر جريمة في حقّ القوانين الطبيعيّة العادلة.
وهكذا انتهى بهم هذا القول: بأنّ تلك القوانين الخيّرة تفرض بنفسها المذهب الرأسمالي، وتحتّم على المجتمع ضمان الحرّيات الرأسماليّة.
غير أنّ هذا اللون من التفكير يبدو الآن مضحكاً وطفوليّاً إلى حدّ كبير؛ لأنّ الخروج على قانون طبيعي علمي لا يعني أنّ هناك جريمة ارتكبت في حقّ هذا القانون، وإنّما يبرهن على خطأ القانون نفسه، وينزع عنه وصفه العلمي الموضوعي؛ لأنّ القوانين الطبيعيّة لا تتخلّف في ظلّ الشروط والظروف اللازمة لها، وإنّما قد تتغيّر الشروط والظروف، فمن الخطأ أن تعتبر الحرّيات الرأسماليّة تعبيراً عن قوانين طبيعيّة، وتعتبر مخالفتها جريمة في حقّ تلك القوانين. فقوانين الاقتصاد الطبيعيّة تعمل ولا تكفّ عن العمل في جميع الأحوال ومهما اختلفت درجة الحرّية التي يتمتّع بها الأفراد في حقول التملّك والاستغلال والاستهلاك، وإنّما قد يحدث أن يختلف مفعول تلك القوانين تبعاً لاختلاف الشروط والظروف التي تعمل في ظلّها، كما تختلف قوانين الفيزياء في آثارها ونتائجها، طبقاً لاختلاف شروطها وظروفها.
فيجب إذن أن تدرس الحرّيات الرأسماليّة لا بوصفها ضرورات علميّة تحتّمها القوانين الطبيعيّة من وجهة رأي الرأسماليّين حتّى تكتسب بذلك الطابع العلمي، وإنّما تدرس على أساس مدى ما تتيح للإنسان من سعادة وكرامة، وللمجتمع من قِيَم ومُثُل، وهذا هو الأساس الذي اتّبعه بعد ذلك علماء الاقتصاد الرأسمالي في دراسة الرأسماليّة المذهبيّة.
وفي ضوء ذلك نستطيع أن نفهم الفرق الجوهري- الذي ألمعنا إليه في