ظلّ التجربة الاشتراكيّة وإن نشأت في داخل الحزب- كما رأينا- إلّاأ نّها من ناحية لا تشمل الحزب كلّه، ومن ناحية اخرى يمكن أن تمتدّ إلى خارج نطاق الحزب، طبقاً للظروف التي تكتنف القيادة ومتطلّباتها.
ولذلك كان من الطبيعي أن تواجه الطبقة المتفرّدة بالامتياز معارضة شديدة في داخل الحزب من الأشخاص الذين لم تستوعبهم تلك الطبقة بالرغم من حزبيّتهم، أو طردتهم من حضيرتها، فأخذوا يعتبرون هذا التركيب الطبقي الجديد خيانة للمبادئ التي ينادون بها.
وكذلك تواجه الطبقة الممتازة معارضة هائلة في خارج الحزب ممّن أتاح الواقع السياسي للفئة الممتازة أن تستثمرهم على شكل امتيازات خاصّة، وحقوق معيّنة، واحتكارات للأجهزة الإداريّة والمرافق الحيويّة في البلاد.
ويبدو من المنطقي بعد ذلك أن تحدث عمليّات تطهير واسعة النطاق- كما يسمّيها الشيوعيّون- بوصفها انعكاساً لتلك الظروف والتناقضات الطبقيّة.
ومن الطبيعي أيضاً أن تكون تلك العمليّات هائلة في صرامتها وشمولها، تبعاً لقوّة المركز الطبقي الذي تتمتّع به الفئة الحاكمة في الحزب والدولة.
ويكفينا لكي نتبيّن مدى الصرامة وقوّة الشمول التي تتّسم بها تلك العمليّات أن نعلم أ نّها كانت تجري في الذروة العليا في كيان الحزب، كما تجري في القاعدة باستمرار وعنف قد يفوق كثيراً العنف الذي تعرضه الماركسيّة كطابع عامّ لأشكال التناقض الطبقي المختلفة في التاريخ. فقد شملت عمليّات التطهير في مرّة تسعة وزراء من أعضاء الوزارة الأحد عشر، الذين كانوا يديرون دفّة الحكومة السوفيّاتيّة عام (1936 م)، وشملت أيضاً خمسة رؤساء من الرؤساء السبعة للجنة السوفيات التنفيذيّة المركزيّة التي وضعت دستور (1936 م)، واكتسحت ثلاثة وأربعين أميناً من امناء سرّ منظّمة الحزب المركزيّة الذين كان يبلغ مجموعهم