الرأسماليّة- إلى مجتمع اشتراكي لا طبقي. أمّا كيف تعمل قوانين المادّية التاريخيّة في خلق الاشتراكية الماركسيّة على أنقاض الرأسماليّة؟ فهذا ما يشرحه ماركس- كما مرّ بنا سابقاً- في بحوثه التحليليّة للاقتصاد الرأسمالي التي حاول أن يكشف فيها عن التناقضات الجذريّة التي تسوق الرأسماليّة- وفقاً لقوانين المادّية التاريخيّة- إلى حتفها، وتصل بالركب البشري إلى المرحلة الاشتراكيّة، وبكلمات قلائل: إنّ قوانين المادّية التاريخيّة هي القاعدة العامّة لكلّ مراحل التاريخ في رأى ماركس، والاسس التحليليّة في الاقتصاد الماركسي- كقانون القيمة ونظريّة القيمة الفائضة- هي عبارة عن محاولة تطبيق تلك القوانين على المرحلة الرأسماليّة، والاشتراكيّة المذهبيّة هي النتيجة الضروريّة لهذا التطبيق، والتعبير المذهبي عن المجرى التاريخي المحتوم للرأسماليّة كما تفرضه القوانين العامّة للتاريخ.
ونحن في بحثنا الموسّع عن المادّية التاريخيّة- بقوانينها ومراحلها- قد انتهينا إلى نتائج غير ماركسيّة. فقد عرفنا بوضوح أنّ الواقع التاريخي للإنسانيّة لا يسير في موكب المادّية التاريخيّة، ولا يستمدّ محتواه الاجتماعي من وضع القوى المنتجة وتناقضاتها وقوانينها. كما تبيّنّا من خلال دراستنا لقوانين الاقتصاد الماركسي خطأ الماركسيّة في الاسس التحليليّة التي فسّرت في ضوئها تناقض الرأسماليّة من جهات شتّى، وزحفها المستمرّ نحو نهايتها المحتومة، فإنّ تلك التناقضات كانت ترتكز كلّها على القانون الماركسي للقيمة، ونظريّة القيمة الفائضة، فإذا انهارت هاتان الركيزتان تداعى البناء كلّه.
وحتّى إذا افترضنا أنّ الماركسيّة كانت على صواب في دراستها التحليليّة للاقتصاد الرأسمالي فإنّ تلك الاسس إنّما تكشف عن القوّة أو التناقضات التي تحكم على الرأسماليّة بالموت البطيء حتّى تلفظ آخر أنفاسها، ولكنّها لا تبرهن