تمهيد
قلنا في مستهلّ هذا الكتاب: إنّ المذهب الاقتصادي عبارة عن نهج خاصّ للحياة يطالب أنصاره بتطبيقه لتنظيم الوجود الاجتماعي على أساسه، بوصفه المخطّط الأفضل الذي يحقّق للإنسانيّة ما تصبو إليه من رخاء وسعادة على الصعيد الاقتصادي. وأمّا العلوم الاقتصاديّة فهي دراسات منظمّة للقوانين الموضوعيّة التي تتحكّم في المجتمع كما تجري في حياته الاقتصاديّة. فالمذهب: تصميم عمل ودعوة. والعلم: كشف أو محاولة كشف عن حقيقة وقانون؛ لهذا السبب كان المذهب عنصراً فعّالًا وعاملًا من عوامل الخلق والتجديد، وأمّا العلم فهو يسجّل ما يقع في مجرى الحوادث الاقتصاديّة كما هو دون تصرّف أو تلاعب.
وعلى هذا الأساس فصّلنا بين المادّية التاريخيّة والمذهب الماركسي في بحثنا هذا مع الماركسيّة، فالمادّية التاريخيّة التي تناولناها في القسم الأوّل من البحث: هي علم قوانين الإنتاج في تطوّره ونموّه، ونتائجه الاجتماعيّة في مختلف الحقول الاقتصاديّة والسياسيّة والفكريّة، وبكلمة اخرى: هي علم الاقتصاد الماركسي الذي يفسّر التاريخ كلّه تفسيراً اقتصاديّاً في ضوء القوى المنتجة.
والمذهب الماركسي: هو النظام الاجتماعي الذي تتزعّم الماركسيّة الدعوة إليه، وقيادة الإنسانيّة إلى تحقيقه. فالماركسيّة تقف في المادّية التاريخيّة موقف العالم الطبيعي من قوانين الطبيعة، وتقف بصفتها المذهبيّة موقف الدعوة والتبشير.