جعلت الحصول على أكبر ربح مادّي ممكن، هو الهدف الأعلى بقطع النظر عن نوعيّة الوسائل، وطابعها الخُلُقي، ونتائجها في المدى البعيد.
والدليل على هذا من الواقع: أنّ الاستعمار بدأ منذ بدأت الرأسماليّة وجودها التاريخي في المجتمعات الاوروبيّة بعقليّتها ومقاييسها، ولم ينتظر حتّى تصل الرأسماليّة إلى مرحلتها العليا ليكون تعبيراً عن ضرورة اقتصاديّة خالصة.
فقد اقتسمت الدول الاوروبيّة البلاد الضعيفة في مطلع الرأسماليّة بكلّ وقاحة واستهتار. فكان لبريطانيا الهند وبورما وجنوب أفريقيا ومصر والسودان وغيرها، ولفرنسا الهند الصينيّة والجزائر ومراكش وتونس ومدغشقر وغيرها من المستعمرات، وكان لألمانيا قطّاعات في غربي أفريقيا وجزر الباسفيك، ولإيطاليا طرابلس الغرب والصومال، ولبلجيكا بلاد الكونغو، ولروسيا قطّاعات في آسيا، ولهولندا جزائر الهند.
فالسبب الأصيل والأسبق للاستعمار يكمن في الواقع الروحي والمزاج الخُلُقي للمجتمع، لا في مجرّد السماح بالملكيّة الخاصّة لوسيلة الإنتاج. فإذا سمح بهذه الملكيّة في مجتمع يتمتّع بواقع روحي وخلقي وسياسي يختلف عن الواقع الرأسمالي فليس الاستعمار بمفهومه الرأسمالي قانوناً حتميّاً له.
وأمّا الاحتكار فهو الآخر ليس- أيضاً- نتيجة حتميّة للسماح بالملكيّة الخاصّة لأداة الإنتاج، وإنّما هو نتيجة للحريّات الرأسماليّة بشكلها المطلق، وللمبدأ القائل بعدم جواز التدخّل في مجرى الحياة الاقتصاديّة للناس. أمّا حين توضع للملكيّة الخاصّة قيودها وحدودها، ويجعل النشاط الاقتصادي تحت مراقبة دقيقة تستهدف الحيلولة دون الاحتكار وتحكّم فئة قليلة في الأسواق التجاريّة فسوف لا يجد الاحتكار طريقه الرأسمالي المعبّد إلى التحطيم والتدمير.