فلسفة ذات مبادئ ولا عقيدة ذات اسس، بل حيادية بطبيعتها تجاه مختلف الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والعقائدية والدينية، وهي لذلك بحاجة إلى الأخذ بوجهة نظر معيّنة تجاه الكون والحياة وفلسفة خاصّة تصوغ على أساسها معالم حضارتها ونهضتها وتنظيمها الاجتماعي.
ويبدو أنّ كثيراً من الحركات القومية أحسّت بذلك أيضاً وأدركت أنّ القومية كمادّة خام بحاجة إلى الأخذ بفلسفة اجتماعية ونظام اجتماعي معيّن، وحاولت أن توفّق بين ذلك وبين أصالة الشعار الذي ترفعه وانفصاله عن الإنسان الاوروبي، فنادت بالاشتراكية العربية، نادت بالاشتراكية لأنّها أدركت أنّ القومية وحدها لا تكفي، بل هي بحاجة إلى نظام، ونادت بها في إطار عربي تفادياً لحسّاسية الامّة ضدّ أيّ شعار أو فلسفة مرتبطين بعالم المستعمرين، فحاولت عن طريق توصيف الاشتراكية بالعربية تغطية الواقع الأجنبي المتمثّل في الاشتراكية من الناحية التأريخية والفكرية، وهي تغطية فاشلة لا تنجح في استغفال حساسية الامّة؛ لأنّ هذا الإطار القلق ليس إلّامجرّد تأطير ظاهري وشكلي للمضمون الأجنبي الذي تمثّله الاشتراكية، وإلّا فأيّ دور يلعبه هذا الإطار في مجال التنظيم الاشتراكي؟! وأيّ تطوير للعامل العربي في المواقف؟! وما معنى أنّ العربية كلغة وتأريخ أو دم وجنس تطوّر فلسفة معيّنة للتنظيم الاجتماعي؟! بل كلّ ما وقع في المجال التطبيقي نتيجة للعامل العربي.
إنّ هذا العامل أصبح يعني في مجال التطبيق استثناء ما يتنافى من الاشتراكية مع التقاليد السائدة في المجتمع العربي، والتي لم تحن الظروف الموضوعية لتغييرها كالنزعات الروحية بما فيها الإيمان باللَّه، فالإطار العربي إذن لا يعطي الاشتراكية روحاً جديدة تختلف عن وضعها الفكري والعقائدي المعاش