يمكننا قبل كلّ شيء أن نلاحظ بهذا الصدد ما أصابه ماركس من التوفيق، وما أتقنه بذكاء وبراعة من التصرّف البارع بالألفاظ؛ ذلك أ نّه لاحظ لدى تحليل النظام الرأسمالي أنّ هذا النظام يتضمّن في أعماقه علاقة معيّنة بين رأسمالي يملك وسائل الإنتاج وأجير لا يملك شيئاً منها، وهو لذلك يتنازل عن منتوجه إلى الرأسمالي. واستخلص من ذلك: أنّ النظام الرأسمالي يتوقّف على عدم وجود القوى المنتجة عند الفئات العاملة القادرة على ممارسة الإنتاج وانحصارها لدى التجاريّين؛ لتضطرّ تلك الفئات إلى العمل باجرة عند هؤلاء. وهذه الحقيقة تعتبر واضحة دون مراء، غير أنّ ماركس كان بحاجة إلى لعبة لفظيّة ليصل عن طريق هذه الحقيقة إلى ما يعنيه، ولذلك غيّر من تعبيره، وانتقل من قوله ذاك إلى التأكيد على: أنّ سرّ التراكم الأوّل يكمن في فصل وسائل الإنتاج عن المنتجين وتجريدهم منها بالقوّة، واختصاص التجاريّين بها.
وهكذا بدا هذا المفكّر الكبير وكأ نّه لم يدرك الفرق المعنوي بين المقدّمات التي ساقها والنتيجة التي انتهى إلى التأكيد عليها، فإنّ تلك المقدّمات كانت تعني:
أنّ عدم وجود الوسائل المنتجة عند جماعات من القادرين على العمل ووجودها عند التجاريّين هو الشرط الأساسي لوجود الرأسماليّة، وهذا يختلف عن النتيجة التي انتهى إليها أخيراً والتي فسّرت عدم وجود الوسائل لدى الاجراء بتجريدهم منها وانتزاعها منهم بالقوّة. فهذا التجريد والانتزاع إذن إضافة جديدة تماماً لا تتضمّنها المقدّمات التحليليّة التي ساقها، ولا يمكن أن يستنتج منطقيّاً من تحليل جوهر النظام الرأسمالي والعلاقات المحدّدة فيه بين المالك والأجير.
وقد تقول الماركسيّة تعليقاً على ما قلناه: صحيح أنّ النظام الرأسمالي إنّما يتوقّف فقط على عدم وجود الوسائل المنتجة عند العمّال وتوفّرها عند التجاريّين ولكن كيف نفسّر ذلك؟ ولماذا لم توجد الوسائل المنتجة عند العمّال