الأفكار المناهضة له بسخرية لاذعة واستخفاف بالغ، وانتهى من سخريته إلى أنّ الادّخار لا يكفي وحده تعليلًا لوجود الطبقة الرأسماليّة، وإنّما يجب لكي نصل إلى سرّ التراكم الرأسمالي الأوّل الذي قامت على أساسه الطبقة الجديدة أن نفحص مضمون النظام الرأسمالي نفسه، ونفتّش في أعماقه عن ذلك السرّ المعقّد.
ويستعين ماركس هنا بموهبته الفذّة في التعبير وسيطرته على التصرّف بالألفاظ كيف شاء للتدليل على وجهة نظره، فيقرّر: أنّ النظام الرأسمالي يبرز لنا علاقة من نوع خاصّ بين الرأسمالي الذي يملك وسائل الإنتاج وبين الأجير الذي يتخلّى بحكم تلك العلاقة عن كلّ حقّ من حقوق الملكيّة على منتوجه، لا لشيء إلّالأنّه لا يملك سوى طاقة عمليّة محدودة، بينما يملك الرأسمالي جميع الشروط الخارجيّة اللازمة: المادّة والأدوات ونفقات المعيشة لتجسيد تلك الطاقة. فموقف الأجير في النظام الرأسمالي إنّما هو نتيجة لفقده وسائل الإنتاج التي يتمتّع بها الرأسمالي وانفصاله عنها، ومعنى هذا: أنّ أساس العلاقة الرأسماليّة يقوم على الانفصال الجذري بين وسائل الإنتاج والأجير بالرغم من أ نّه هو المنتج الذي يباشر تلك الوسائل. فهذا الانفصال هو الشرط الضروري تاريخيّاً لتكوّن العلاقات الرأسماليّة. فلكي يولد النظام الرأسمالي يجب إذن أن يكون قد جرى بالفعل انتزاع وسائل الإنتاج من المنتجين، دون أخذ ولا ردّ اولئك المنتجين الذين كانوا يستخدمونها لتحقيق عملهم الخاصّ، ويجب أن تصبح هذه الوسائل المنتجة محصورة في أيدي التجاريّين الرأسماليّين. فالحركة التاريخية التي تحقّق الانفصال بين المنتج ووسائل الإنتاج وتحصر هذه الوسائل في أيدي التجاريّين هي إذن مفتاح السرّ للتراكم الرأسمالي الأوّل. وقد تمّت هذه الحركة التاريخيّة بأساليب: من الاستعباد، والاغتصاب المسلّح، والنهب، وألوان العنف، دون أن يساهم في إنجازها التدبير، والاقتصاد، والكياسة، والذكاء، كما تتخيّل مراجع