التأمّليّة والعلميّة التي يحصل عليها الإنسان خلال تجربته الطبيعيّة لقوى الإنتاج وسائر قوى الكون. وحيث إنّ التجارب الطبيعيّة قصيرة الأمد فمن الممكن أن تتوفّر وتتجمّع بسرعة نسبيّاً، فتتطوّر أشكال الإنتاج بصورة سريعة، على العكس من التجربة الاجتماعيّة فإنّها تعني تاريخَ مجتمع برمّته، فلا تنمو الأفكار العمليّة خلال هذه التجربة البطيئة بنفس السرعة التي تنمو بها الأفكار التأمّليّة والعلميّة خلال التجربة الطبيعيّة، ومن الطبيعي عندئذٍ أن لا تتطوّر في البدء أشكال النظام بنفس السرعة التي تتطوّر بها أشكال الإنتاج.
ج- الوضع الاقتصادي لم يتكامل:
سبق أن مرّ بنا: أنّ الماركسيّة تفسّر زوال النظام العبودي بأ نّه أصبح معيقاً للإنتاج عن النموّ ومناقضاً له، فكان من الضروري أن تزيحه القوى المنتجة عن طريقها، وتصنع وضعاً اقتصاديّاً يواكبها في نموّها ولا يناقضها، فهل ينطبق هذا على الواقع التاريخي حقّاً؟
هل إنّ ظروف المجتمع وشروطه الإقطاعيّة كانت أكثر مواكبةً لنموّ الإنتاج من شروطه وظروفه قبل ذلك؟ وهل سار الوضع الاقتصادي- ومن خلفه القافلة البشريّة كلّها- في خطّ صاعد كما تتطلّبه طبيعة الحركة التاريخيّة عند الماركسيّين الذين يفهمونها على أ نّها عمليّة تكامل مستمرّ للمحتوى التاريخي كلّه، تبعاً لتكامل الوضع الاقتصادي ونموّه؟
إنّ شيئاً من ذلك لم يحدث على الوجه الماركسي المفروض، ويكفي لمعرفة ذلك أن نلقي نظرة على الحياة الاقتصادية التي كانت الامبراطوريّة الرومانيّة تعيشها. فلقد بلغت- وعلى الأخصّ في أجزاء معيّنة منها- مستوىً اقتصاديّاً رفيعاً، ونمت فيها الرأسماليّة التجاريّة نموّاً كبيراً. ومن الواضح أن