بالفنّ الإنساني القديم زاعماً: أنّ الإنسان الحديث يلتذّ بروعة الفنّ القديم بوصفه ممثّلًا لطفولة النوع البشري، كما يلذّ لكلّ إنسان أن يستعرض أحوال طفولته البريئة الخالية من التعقيد[1].
ولكنّ ماركس لا يقول لنا شيئاً عن سرور الإنسان بأحوال الطفولة، فهل هو نزعة أصيلة في الإنسان، أو ظاهرة خاضعة للعامل الاقتصادي ومتغيّرة تبعاً له؟
ثمّ لماذا يجد الإنسان الحديث المتعة والسحر في روائع اليونان الفنّية مثلًا، ولا يجد هذه المتعة والسحر في استعراض بقيّة ظواهر حياتهم، من أفكار وعادات ومفاهيم بدائيّة، مع أ نّها جميعاً تمثّل طفولة النوع البشري؟!
وماذا يقول لنا ماركس عن المناظر الطبيعيّة الخالصة التي كانت منذ أبعد آماد التاريخ ولا تزال قادرة على إرضاء الحسّ الجمالي في الإنسان وبعث المتعة إلى نفسه؟! فكيف نجد المتعة في هذه المناظر كما كان يجدها الأسياد والرقيق، والإقطاعيّون والأقنان، مع أ نّها مظاهر طبيعيّة لا تمثّل شيئاً من طفولة النوع البشري التي يفسّر ماركس على أساسها إعجابنا بالفنّ القديم؟!
أفَلَسنا نعرف من هذا أنّ المسألة ليست مسألة الإعجاب بصور الطفولة، وإنّما هي مسألة الذوق الفنّي الأصيل العامّ الذي يجعل إنسان عصر الرقّ وإنسان عصر الحرّية يشعران بشعور واحد؟!
***
وفي ختام دراستنا هذه للنظريّة بما هي عامّة ألا نجد من الطبيعي أن يندم أنجلز- المؤسّس الثاني للمادّية التاريخيّة- على المبالغة بدور العامل الاقتصادي في التاريخ، ويعترف بأ نّه مع صديقه ماركس قد اندفعا بروح مذهبيّة
[1] كارل ماركس: 243