وقوى الإنتاج، فالوسائل الطبيعيّة هي التي تقرّر طريقة الرسم.
وكذلك يمكن للماركسيّة أن تجيب على السؤال الثاني زاعمةً: أنّ الفنّ استخدم دائماً لخدمة الطبقة الحاكمة، فالهدف الذي يدعو الفنّان إلى التفنّن والإبداع هو تعزيز هذه الطبقة ومصلحتها، ولمّا كانت هذه الطبقة وليدة القوى المنتجة فوسائل الإنتاج هي الجواب الأخير على هذا السؤال.
ولكن ماذا تصنع الماركسيّة بالسؤال الثالث: لماذا نعجب بالصورة ونستذوقها؟ فهل قوى الإنتاج أو المصلحة الطبقيّة هي التي تخلق في نفوسنا هذا الإعجاب وهذا الذوق الفنّي، أو هو شعور وجداني وذوق ينبع من صميم النفس، وليس مستورداً من وسائل الإنتاج وظروفها الطبقيّة؟
إنّ المادّية التاريخيّة تفرض على الماركسيّة أن تفسّر الذوق الفنّي بقوى الإنتاج والمصلحة الطبقيّة؛ لأنّ العامل الاقتصادي هو الذي يفسّر كلّ الظواهر الاجتماعية في المادّية التاريخيّة، ولكنّها لا تستطيع ذلك وإن حاولته؛ إذ لو كانت القوى المنتجة أو المصلحة الطبقيّة هي التي تخلق هذا الذوق الفنّي لزال بزوالها، ولتطوّر الذوق الفنّي تبعاً لتطوّر وسائل الإنتاج، كما تتطوّر سائر الظواهر والعلاقات الاجتماعيّة، مع أنّ الفنّ القديم بآياته الرائعة لا يزال في نظر الإنسانية حتّى اليوم منبعاً من منابع اللذّة الجماليّة، ولا يزال يتحف الإنسان وهو في عصر الذرّة بما كان يتحفه به قبل آلاف السنين من انشراح وسحر، فكيف ظلّت هذه المتعة النفسيّة حتّى أخذ الإنسان الاشتراكي والرأسمالي يتمتّع بفنّ مجتمعات الرقّ كما كان الأسياد والعبيد يتمتّعون بها؟! وبقدرة أيّ قادر استطاع الذوق الفنّي أن يتحرّر من قيود المادّية التاريخيّة ويخلد في وعي الإنسان؟! أليس العنصر الإنساني الأصيل هو التفسير الوحيد الذي يجيب على هذه الأسئلة؟!
ويقوم ماركس هنا بمحاولة للتوفيق بين قوانين المادّية التاريخيّة وإعجابنا