بينما التقريب السابق استدلال بسيرة المتشرّعة التي هي بنفسها دليل إنِّيّ على الطهارة.
والجواب عليه: أنّ أوامر الغسل الواردة في الروايات صالحة للردع لو سلِّم اقتضاء طبع القضية للإقدام على مساورة تلك الأبوال.
النحو الثالث: أن يُدَّعى ثبوت سيرة المتشرّعة في عصر الأئمّة عليهم السلام على الطهارة، ولكن لا يستدلّ على هذه السيرة بقيامها في العصور المتأخّرة، كما هو الحال في النحو الأوّل، بل ببيانٍ آخر، وحاصله: أنّ هذه المسألة حيث إنّها كانت محلّ ابتلاء المتشرّعة آنذاك كثيراً فلابدّ وأن يكون الحكم فيها واضحاً عندهم، كما هي العادة في المسائل التي يعمّ فيها الابتلاء ويكثر التعرّض لها.
وعليه نتساءل: ما هو الحكم الذي كان واضحاً عندهم وثابتاً في ارتكازهم؟ فإن كان هو الطهارة ثبت المطلوب، وإن كان هو النجاسة فكيف نفسّر ذهاب مشهور فقهاء الإمامية إلى الحكم بالطهارة رغم تظافر الروايات الآمرة بالغسل والمطابقة لارتكاز النجاسة المفترض؟
وبقدر ما يضعف احتمال ذهاب المشهور إلى خلاف ارتكازٍ متشرّعيٍّ عامٍّ متطابقٍ مع رواياتٍ عديدةٍ يقوى الظنّ بأنّ الارتكاز كان منعقداً على الطهارة.
ولكن في قبال ضعف احتمال ذهاب المشهور إلى خلاف ارتكازٍ متشرّعيٍّ عامٍّ مطابقٍ لعددٍ من الروايات يوجد استبعاد آخر، وهو استبعاد قيام ارتكازٍ متشرّعيٍّ عامٍّ على الطهارة، مع أنّ الارتكازات تعتمد في نشوئها عادةً على بيان الأئمّة عليهم السلام، وما وَصَلَنا من بياناتهم ممّا يدلّ بظاهره على النجاسة لعلّه أضعاف ما وصل ممّا يدلّ على الطهارة.