رواية الحميريّ الذي هو من فقهاء الإمامية في عصر الغيبة الصغرى، إذ كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام: عندنا حاكة مجوس يأكلون الميِتة ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟ … إلى‏ آخره‏[1].

وحمل جميع الأسئلة على أ نّها بملاكٍ علميٍّ بحتٍ بعيد جدّاً. كما أنّ حمل فرض الحميريّ لنجاساتٍ عَرَضيةٍ في حياة الكافر على أ نّه بقصد إبراز قوّة احتمال تنجّس الثياب التي يحوكها بلا شاهدٍ. بل إنّ افتراض السائل لعدم الغسل من الجنابة في الكافر واضح الدلالة على أ نّه لم يكن قد ارتكزت في ذهنه نجاسة الكافر العينية، وإلّا فأيّ أثرٍ للغسل بالنسبة إليه؟

وحيث إنّ الإجماع إنّما يكون حجّةً باعتبار كشفه عن التلقّي الارتكازيّ من عصر الرواة، فيكون ما ذكرناه نقطةَ ضعفٍ في كاشفية هذا الإجماع.

النقطة الثالثة: أنّ ابتلاء المسلمين بالتعايش مع أصنافٍ من الكفّار في المدينة وغيرها على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كان على نطاقٍ واسع، واختلاطهم مع المشركين كان شديداً جدّاً، خصوصاً بعد صلح الحديبية، ووجود العلائق الرحميّة وغيرها بينهم، فلو كانت نجاستهم مقرّرةً في عصر النبوّة لانعكس ذلك وانتشر وأصبح من الواضحات، ولسُمِعَتْ من النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم توضيحات كثيرة بهذا الشأن، كما هو الحال في كلّ مسألةٍ تدخل في محلّ الابتلاء إلى هذه الدرجة.

ولا توجد في مثل هذه المسألة دواعي الإخفاء، وأيّ داعٍ إلى ذلك مع ظهور الإسلام؟ وعدم منافاة هذا الحكم مع أغراض أولياء الأمر بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.

وحتّى لو افترضنا أنّ الحكم بالنجاسة كان في ظرف نزول سورة التوبة- التي نزلت بعد الفتح- فإنّ طبيعة الأشياء كانت تقتضي شيوعه وانتشاره أيضاً،

 

[1] وسائل الشيعة 3: 520، الباب 73 من أبواب النجاسات، الحديث 9