ونرجع بعد ذلك إلى ما هو ظاهر في النجاسة، وهو ما يشتمل من الروايات على الأمر بالغسل‏[1]، بناءً على ما بنينا عليه في الاصول من تعميم فكرة الرجوع إلى العامّ الفوقانيّ عند معارضة الخاصّين إلى كلّ ظاهرٍ مع صريحين.

وإن شئت فامزج هذين الإيرادين في صيغةٍ واحدة، وهي: أنّ الرواية إن كانت دلالتها بالظهور والإطلاق كان دليل النجاسة مقيّداً، وإن كانت صريحةً سقطت بالمعارضة مع الصريح في النجاسة، ورجعنا إلى الظاهر في النجاسة.

الثالث: أنّ خبر الطهارة معارض بالسنّة القطعية؛ لاستفاضة نصوص النجاسة وقطعية صدور بعضها إجمالًا. وخبر الواحد المعارض للدليل القطعيّ- كتاباً أو سنّةً- ساقط عن الحجّية. وهذا الإيراد إنّما يتمّ إذا بني على أنّ خبر الطهارة ظاهر في ذلك، أو على أ نّه صريح مع افتراض الصراحة في كلّ أخبار النجاسة.

وأمّا إذا افترضت الصراحة في خبر الطهارة وعدمها في أخبار النجاسة، أو في بعضها فلا يتعيّن كونه مخالفاً للسنّة القطعية؛ لإمكان قرينيّته حينئذ. ولكنّه مع هذا يسقط عن الحجّية؛ للوثوق النوعي بل الشخصيّ بخللٍ فيه؛ بسبب الوضوح الارتكازيّ للنجاسة، والتطابق الفتوائي على ذلك، وتظافر ظواهر الروايات عليها، فإنّ كلّ ذلك يوجب أمارةً إن لم تفد الاطمئنان الشخصيّ بالنجاسة، فهي على الأقلّ أمارة اطمئنانية نوعية توجب خروج الخبر عن أدلّة الحجّية.

الثانية: رواية عليّ بن جعفر: سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الجبن وشبهه أيحلّ أكله؟ قال: «يطرح منه ما أكل، ويحلّ الباقي». قال: وسألته عن فأرةٍ أو كلبٍ شربا من زيتٍ أو سمن؟ قال: «إن كان جرّة أو نحوها فلا تأكله،

 

[1] مثل رواية محمد بن مسلم المتقدّم تخريجها في الصفحة 277