وإمّا بتقريب: أنّ اللحوم المذكّاة لا تنفكّ عند استعمالها عادةً عن دماءٍ متخلّفةٍ فيها، إذ تفكيك اللحم وغسله إلى درجةٍ تخرج منه كلّ الدماء المتخلّفة أمر على خلاف العادة العرفية، فبدلالة الاقتضاء هذه تثبت حلّية الدم في اللحم أيضاً.

ويرد على التقريب الأوّل: أنّ دليل الحلّية ينفي الحرمة بملاك الميتة بعد حصول التذكية، فلا يمكن التمسّك به لنفي الحرمة الثابتة بملاك الدَمِيّة، أو البولية، أو غيرهما، كما هو المطلوب في المقام.

وأمّا التقريب الثاني فيمكن أن يناقش فيه بأحد وجهين:

الأوّل: ما ذكره المحقّق الخونساريّ‏[1] رحمه الله من: أنّ غاية ما تستدعيه الملازمة الخارجية أن يكون الدم المندكّ مع اللحم والمغمور بين طيّاته حلالًا، وأمّا الدم المتخلّف بعد خروجه فلا، فيرجع فيه إلى إطلاق النجاسة.

وهذه المناقشة غير تامّة كما أفاده المحقّق الهمدانيّ‏[2] رحمه الله، إذ الغالب خروج شي‏ءٍ من الدماء المتخلّفة ولو قليلًا بعد الطبخ، فلو التزم بنجاسته بعد الخروج لنجّس الأطعمة، ولا يمكن أن يقصد من تجويز الأكل تجويزه بشرط عدم الطبخ.

الثاني: أنّ مثل هذه الدلالة لا تشمل أكثر ممّا يعتاد وجوده من الدم المتخلّف مع اللحم، فلا يعمّ مثل الدم الكثير المتخلّف في باطن الذبيحة.

وهذا النقاش لا دافع له إلّادعوى: عدم الفرق- عرفاً- في الدماء المتخلّفة بين ما يتخلّف في الباطن وما يندكّ في جوف اللحم الذي يمكن إخراجه عنه‏

 

[1] مشارق الشموس: 305

[2] مصباح الفقيه كتاب الطهارة: 541- 542