وثانياً: لو سلّم الإطلاق فظهور مادّة الغسل في ثبوت النجاسة في مورده مع ارتكاز عدم سراية النجاسة بلا رطوبةٍ يكون كالقرينة المتّصلة على تقييد الإطلاق.
وأمّا الثالث فيرد عليه: أنّ حمل الأمر بغسل الثوب على إرادة إزالة العين التي التصقت به من الميّت خلاف الظاهر؛ لأنّ المفهوم عرفاً من الأمر بالغسل ملاحظة الغسل لا بوصفه مجرّد مزيل، بل باعتباره منظِّفاً للمحلّ، واعتباره كذلك يساوق النجاسة عرفاً.
ومن جملة ما يمكن أن يستدلّ به على النجاسة: موثَّقة عمّار، قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن رجلٍ ذبح طيراً فوقع بدمه في البئر؟ فقال: «ينزح منها دلاء، هذا إذا كان ذكيّاً فهو هكذا، وما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلواً، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد، وما سوى ذلك في ما بين هذين»[1].
فإنّ هذه الرواية تفرّق بين جيفة المذكّى وجيفة الميتة، والمنسبق إلى الذهن العرفيّ المتشرّعيّ من هذه التفرقة أ نّها بلحاظ نجاسة الميتة، بعد أن كان أهمّ فارقٍ مركوزٍ بين الجيفتين نجاسة الميتة وطهارة المذكّى. وحيث جعلت ميتة الإنسان معطوفةً على ميتة غيره بل أشدّ منها استفيد من ذلك نجاستها، سواء كان الأمر بالنزح إلزامياً أو تنزيهياً.
ومثل هذا التقريب لم يكن بالإمكان إجراؤه في ما تقدم عند محاولة الاستدلال بروايات النزح على أصل نجاسة الميتة؛ لأنّ هذا التقريب يعتمد على افتراض المفروغية عن ارتكاز نجاسة ميتة الحيوان.
[1] وسائل الشيعة 1: 194، الباب 21 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2