تكوّنهما دون حاجةٍ إلى أيّ عقدٍ أو اتّفاقٍ مسبقٍ على ذلك بين البنك والعميل؛ لأنّ الرأي الصحيح والسائد الذي يذهب إليه جميع فقهاء الإمامية والحنفية وغيرهم:
أنّ المقاصّة إذا تحقّقت شروطها جبريةً تقع بنفسها دون حاجةٍ إلى أيّ قرارٍ من الطرفين. وقد تسمّى بالتهاتر، بل لا يمكن في الشريعة التنازل عن المقاصّة؛ لأنّها ليست حقّاً قابلًا للإسقاط.
وبناءً على هذا فالحقوق الفردية تفقد بطبيعتها ذاتيّتها الخاصّة عبر الحساب الجاري، وتحصل المقاصّة والتهاتر بين دائنيّة العميل ودائنيّة البنك باستمرارٍ دون حاجةٍ إلى أيِّ عقدٍ أو اتّفاق. ولا يبقى إلّاما يمثّل الفارق بين الرصيد الدائن والرصيد المدين.
هذا، إذا اعتبرنا سحب العميل من البنك ديناً في مقابل دين، وأمّا إذا فسّرناه بأ نّه استيفاء في حالة كون الحساب الجاري معتمداً على رصيدٍ لصاحب الحساب في البنك فلا يعود الحساب الجاري حينئذٍ متأ لِّفاً من قائمتين من الديون المتقابلة، بل من قائمتين: إحداهما تمثِّل ديون العميل على البنك التي تحدَّد بكمّية وديعته، والاخرى تمثِّل استيفاءَ العميل لدينه الذي يحدّد بمقدار سحبه على رصيده في البنك.
وارجِّح أن يفسَّر سحب العميل من البنك اللاربوي في حالة وجود رصيدٍ مسبقٍ له على أ نّه استيفاء بمقدار ما يسحب، لا إنشاء وقرض جديد، وأنّ الرصيد الدائن للساحب في البنك هو المسحوب عليه، لا أ نّه مجرّد ضمانٍ للوفاء بالمقاصّة. وأمّا السحب في حالة عدم وجود رصيدٍ مسبقٍ- وهو ما يقع في حالة فتح الحساب الجاري على المكشوف- فليس استيفاءً، بل يؤدّي إلى نشوء دَينٍ بين البنك والعميل الساحب يكون البنك فيه الدائن والساحب هو المَدين.
وسوف يظهر في ما بعد السبب في هذا الترجيح، حيث يتفادى بعض