المودِعين فوائد عليها، ويمكن له أن يفتح لعميله المودِع حساباً جارياً يشتمل من ناحيةٍ على ما يودِعه العميل، ومن ناحيةٍ اخرى على ما يسحبه العميل، غير أنّ التكييف الفقهي للحساب الجاري في الشريعة الإسلامية يختلف عن تكييفه الفقهي في واقع البنوك المعاش، فإنّ الفقه الغربي يعتبر الحساب الجاري عقداً قائماً بذاته بين البنك والعميل تفقد الحقوق الفردية بموجبه ذاتيّتها الخاصّة، وتفسير الحساب الجاري على هذا الأساس يرتبط برأي الفقه الغربي في المقاصّة بين الدَينَين وموقفه منها الذي مرّ بتطورٍ بطيء، فقد اعترف الفقه الغربي بالمقاصّة في بادئ الأمر مع إعطائها الصفة القضائية، فكانت المقاصّة تتوقّف على التمسّك بها أمام القضاء، وكان القاضي يتمتّع بسلطةٍ تقديريةٍ تخوّله رفض إجرائها.
واجتازت بعد ذلك فكرة المقاصّة هذه المرحلة واعفيت من الارتباط بالقضاء، غير أ نّها فسِّرت في بعض أجنحة الفقه الغربي بأ نّها إجراء يتوقّف على إعلانٍ عن الإرادة يصدر من أحد الطرفين، واعطيت في أجنحةٍ اخرى من هذا الفقه الطابع القانوني، ولكنّها لم تدرج في النظام العام، وبذلك لم يعترف بوقوع المقاصّة إلّاإذا تمسَّك بها مَن له مصلحة فيها.
وعلى أساس تصوّرات الفقه الغربي للمقاصّة كان تذويب الناحية الذاتية للحقوق الفردية التي تنشأ بسبب التعامل بين البنك وعميله وإفنائها جميعاً في ناتج الحساب الجاري يحتاج إلى قرارٍ بشكلٍ من الأشكال لتقع المُقاصّة بين الديون المتقابلة.
وأمّا في فقه الشريعة الإسلامية فلا يحتاج تفسير الحساب الجاري وذوبان الفردية الذاتية للحقوق المتقابلة إلى افتراض عقدٍ خاصّ؛ لأنّنا إذا اعتبرنا سحب العميل من البنك عبارةً عن اقتراضٍ من البنك في مقابل إقراضه للبنك الذي تمّ بإيداع وديعة لديه، فهناك دَينان متقابلان، وتجري بينهما المقاصَّة القهرية بمجرّد