بذلك الشيء الممضى في الارتكاز العقلائي، فيكون اشتغال الذمّة بالقيمة عند التلف هو مدلول هذا التعهّد ابتداءً. ففي المقام تعود خطابات الضمان إلى تعهّداتٍ من قبل البنك بالشروط المأخوذة على المقاولين، وتعهّد البنك بالشرط بوصفه فعلًا له مالية، يعني اشتغال ذمّته بقيمة هذا الفعل إذا تلف بامتناع المقاول عن أداء الشرط.
والفرق بين تفسير المعنى العقلائي للعهدة الجعلية بهذا الوجه وتفسيره بالوجه المتقدّم أنّ صاحب الشرط ليس له- بناءً على هذا الوجه- مطالبة البنك بإقناع المقاول بالأداء، وإنّما له على تقدير امتناع المقاول أن يُغرِّم البنك قيمة ما تعهّد به، وأمّا على الوجه السابق فله ذلك.
وبما حقّقناه من المعنى الثالث للضمان وتخريج خطابات الضمان على أساسه باعتبارها تعهّداتٍ من البنك بوفاء المقاول بشرطه، يظهر الحال في ما أفاده بعض الأعلام[1] من محاولة تطبيق الكفالة بمعناها المصطلح لدى الفقهاء- أي كفالة النفس- على خطابات الضمان للبنك، وكفالاته للمقاولين، ثمّ استشكاله فياقتضاء هذه الكفالة لدفع المال المستحقّ بدعوى أنّ أثر الكفالة ينحصر في إحضار نفس المكفول.
إنّنا في غنىً عن ذلك كلّه بعد إمكان تطبيق الضمان المالي على كفالات البنك، غاية الأمر أ نّه ضمان لا بمعنى نقل الدين من ذمّةٍ إلى ذمّة، ولا بمعنى ضمّ ذمّةٍ إلى ذمّة، بل بمعنى التعهّد بأداء دينٍ أو شرطٍ للدائن أو المشترط.
والضمان بهذا المعنى مطابق للارتكاز العقلائي، كما عرفت سابقاً. ومنه بحسب
[1] انظر: بحوث فقهية: 112