أمّا في الإجارة فلا إشكال في أنّ صحّتها تتوقّف على كون الفعل المتسأجر عليه مقدوراً للأجير، وإلّا كانت الإجارة باطلة؛ لأنّ صحة الإجارة فرع كون المؤجر مالكاً للمنفعة لكي يصحّ له تمليكها للمستأجر بعقد الإجارة، وإذا كان الأجير غير قادرٍ على الخياطة مثلًا فلا تكون الخياطة من منافعه المملوكة له بنحوٍ من الملكية لكي يصحّ له تمليك هذه المنفعة من منافعه للغير.
وعلى هذا الأساس فلايصحّ للدائن أن يستأجر شخصاً لتحصيل دينه من المدين وتسليمه له إلّاإذا كان التحصيل والتسليم مقدوراً للأجير بأن فرض استعداد المدين للدفع عند المطالبة، ففي مثل ذلك يجوز وقوع الإجارة على تحصيل الدين من المدين وتسليمه إلى الدائن؛ لأنّه عمل مقدور للأجير بعد فرض أنّ المقدمات غير الاختيارية لهذا العمل حاصلة بسبب استعداد المدين للدفع عند المطالبة.
وأمّا إذا لم يكن المدين مستعدّاً للدفع عند المطالبة ولم يكن الأجير قادراً على إجباره على الدفع فلا يكون تحصيل الدين من المدين وتسليمه إلى الدائن مقدوراً للأجير، فتبطل الإجارة الواقعة عليه.
وأمّا إذا شكّ في قدرة الأجير على العمل كما هو المفروض في المقام؛ إذ فرضنا الشكّ في استعداد المدين للدفع إذا طولب، وهذا يوجب الشكّ في قدرة الأجير على تحصيل الدين وتسليمه إلى الدائن، فهل تبطل الإجارة الواقعة على عملٍ يشكّ في قدرة الأجير عليه مطلقاً، أو تتبع صحةً وبطلاناً واقع الأمر؟ فإن كانت القدرة موجودةً عند الأجير صحّت الإجارة؛ لأنّ الأجير يكون مالكاً في الواقع للفعل فينفذ تمليكه له، وإن لم تكن القدرة ثابتة للأجير في الواقع بطلت الإجارة؛ لأنّ الأجير يكون قد ملَّك ما ليس من منافعه المملوكة له، وليس هذا من التعليق في الإجارة الموجب للبطلان.