وهيئةً- على الوجوب بحكم التبادر وبناء العرف العامّ على كون الطلب الصادر من المولى بلسان الأمر مادّةً أو هيئةً وجوباً. وإنّما اختلفوا في توجيه هذه الدلالة وتفسيرها إلى عدّة أقوال:
القول الأوّل: إنّ ذلك بالوضع[1]، بمعنى أنّ لفظ (الأمر) موضوع للطلب الناشئ من داعٍ لزومي، وصيغة الأمر موضوعة للنسبة الإرسالية الناشئة من ذلك، ودليل هذا القول هو التبادر مع إبطال سائر المناشئ الاخرى المدَّعاة لتفسير هذا التبادر.
القول الثاني: ما ذهب إليه المحقّق النائيني[2] رحمه الله من: أنّ ذلك بحكم العقل، بمعنى أنّ الوجوب ليس مدلولًا للدليل اللفظي، وإنّما مدلوله الطلب، وكلّ طلبٍ لا يقترن بالترخيص في المخالفة يحكم العقل بلزوم امتثاله، وبهذا اللحاظ يتّصف بالوجوب. بينما إذا اقترن بالترخيص المذكور لم يلزم العقل بموافقته، وبهذا اللحاظ يتّصف بالاستحباب.
ويرد عليه:
أوَّلًا: أنّ موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال لا يكفي فيه مجرّد صدور الطلب مع عدم الاقتران بالترخيص؛ لوضوح أنّ المكلّف إذا اطّلع بدون صدور ترخيصٍ من قبل المولى على أنّ طلبه نشأ من ملاكٍ غير لزوميٍّ ولا يؤذي المولى فواته لم يحكم العقل بلزوم الامتثال، فالوجوب العقليّ فرع مرتبةٍ معيّنةٍ في ملاك الطلب، وهذه المرتبة لا كاشف عنها إلّاالدليل اللفظي، فلابدّ من فرض أخذها في مدلول اللفظ لكي يتنقّح بذلك موضوع الوجوب العقلي.
[1] كما عليه ظاهر عبارة الكفاية: 83 و 92.
[2] فوائد الاصول 1: 136.