في الخارج، وفي ذهن المتكلّم، وفي ذهن السامع.
وكلّما تكثّرت النسبة على أحد هذين النحوين استحال انتزاع جامع ذاتيٍّ حقيقيٍّ بينها، وذلك إذا عرفنا مايلي:
أولًا: أنّ الجامع الذاتيّ الحقيقيّ ما تحفظ فيه المقوّمات الذاتية للأفراد، خلافاً للجامع العرضيّ الذي لا يستبطن تلك المقوّمات. ومثال الأوّل: (الإنسان) بالنسبة إلى زيد وخالد. ومثال الثاني: (الأبيض) بالنسبة إليهما.
ثانياً: أنّ انتزاع الجامع يكون بحفظ جهةٍ مشتركةٍ بين الأفراد مع إلغاء ما به الامتياز.
ثالثاً: أنّ ما به امتياز النسب الظرفية المذكورة بعضها على بعضٍ إنّما هو أطرافها، وكلّ نسبةٍ متقوّمة ذاتاً بطرفيها، أي أ نّها في مرتبة ذاتها لا يمكن تعقّلها بصورةٍ مستقلّةٍ عن طرفيها، وإلّا لم تكن نسبةً وربطاً في هذه المرتبة.
وعلى هذا الأساس نعرف أنّ انتزاع الجامع بين النسب الظرفية- مثلًا- يتوقّف على إلغاء ما به الامتياز بينها، وهو الطرفان لكلّ نسبة، ولمَّا كان طرفا كلّ نسبةٍ مقوِّمَين لها فما يحفظ من حيثيةٍ بعد إلغاء الأطراف لا تتضمَّن المقوّمات الذاتية لتلك النسب، فلا تكون جامعاً ذاتياً حقيقياً. وهذا برهان على التغاير الماهويِّ الذاتيِّ بين أفراد النسب الظرفية وإن كان بينها جامع عَرَضي اسمي، وهو نفس مفهوم النسبة الظرفية.
المرحلة الثالثة: وعلى ضوء ما تقدّم أثبت المحقّقون أنّ الحروف موضوعة بالوضع العامِّ والموضوع له الخاصّ[1]؛ لأنّ المفروض عدم تعقّل جامعٍ ذاتيٍّ بين
[1] كما ذهب إليه المحقّق الإصفهاني رحمه الله في نهاية الدراية 1: 55- 56، والسيّد الخوئي فيالمحاضرات 1: 82، وغيرهما، إلّاأنّ اعتماد هؤلاء في هذه النظريّة على مثل هذا التفصيل الذي سبق في المتن غير واضح.