يثبت أنّ المفاهيم الاسمية غير تلك المعاني التي يكون الربط ذاتياً لها، وهذه المعاني هي مداليل الحروف، إذ لا يوجد ما يدلّ على تلك المعاني بعد استثناء الأسماء إلّاالحروف.
وحتّى نفس مفهوم النسبة ومفهوم الربط المدلول عليهما بكلمتي (النسبة) و (الربط) ليسا من المعاني الحرفية، بل من المعاني الاسمية؛ لإمكان تصوّرهما بدون أطراف، وهذا يعني أنّهما ليسا نسبةً وربطاً بالحمل الشائع وإن كانا كذلك بالحمل الأوّلي. وقد مرّ عليك في المنطق أنّ الشيء يصدق على نفسه بالحمل الأوّلي، ولكن قد لا يصدق على نفسه بالحمل الشائع، كالجزئي فإنّه جزئيّ بالحمل الأوّلي، ولكنّه كلّيّ بالحمل الشائع.
وهذا البيان كما يبطل الاتّجاه الأوّل يبرهن على صحة الاتّجاه الثاني إجمالًا، وتوضيح الكلام في تفصيلات الاتّجاه الثاني يقع في عدّة مراحل:
المرحلة الاولى: أ نّا حين نواجه ناراً في الموقد- مثلًا- ننتزع في الذهن عدّة مفاهيم:
الأوّل: مفهوم بإزاء (النار).
والثاني: مفهوم بإزاء (الموقد).
والثالث: مفهوم بإزاء (العلاقة والنسبة الخاصّة القائمة بين النار والموقد).
غير أنّ الغرض من إحضار مفهومَي النار والموقد في الذهن التمكّن بتوسّط هذه المفاهيم من الحكم على النار والموقد الخارجيَّين، وليس الغرض إيجاد خصائص حقيقة النار في الذهن. وواضح أ نّه يكفي لتوفير الغرض الذي ذكرناه أن يكون الحاصل في الذهن ناراً بالنظر التصوّري وبالحمل الأوّلي؛ لِمَا تقدّم[1] منّا
[1] ضمن بحث الحكم الشرعي وتقسيماته من بحوث التمهيد، وقد وضعنا له عنوان: تعلّقالأحكام بالعناوين الذهنيّة.