وأمّا على الثالث فبأنّ نفس الاستنكار والتحاشي قرينة عرفية على تقييد المخالف بما كان يقتضي طرح الدليل القرآني وإلغاءه رأساً، فلا يشمل المخالف بالتخصيص والتقييد ونحوهما ممّا لااستنكار فيه بعد وضوح بناء البيانات الشرعية على ذلك.
المجموعة الثانية: ما دلّ على إناطة العمل بالرواية بأن يكون موافقاً مع الكتاب وعليه شاهد منه، من قبيل رواية ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب اللَّه أو من قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وإلّا فالذي جاء به أولى به»[1].
وهذه الرواية ونظائرها تساوق في الحقيقة إلغاء حجّية خبر الواحد؛ لأنّها تنهى عن العمل به في حالة عدم تطابقه مع القرآن الكريم، ولا محصّل عرفاً لجعل الحجّية له في خصوص حالة التطابق؛ لكفاية الدلالة القرآنية حينئذٍ.
وعليه فيرد على الاستدلال بها: أنّها بنفسها أخبار آحاد، ولا يمكن الاستدلال بأخبار الآحاد على نفي حجّية خبر الواحد. هذا، إضافةً إلى أنّنا لو سلّمنا أ نّها لا تلغي حجّية خبر الواحد على الإطلاق فلا شكّ في أنّها تسلب الحجّية عن الخبر الذي ليس له موافق من الكتاب الكريم، ومضمونها نفسه لا يوافق الكتاب الكريم، بل يخالفه، بناءً على دلالة الكتاب وغيره من الأدلّة القطعية على حجّية خبر الثقة، فيلزم من حجّيتها عدم حجّيتها.
المجموعة الثالثة: ما دلّ على نفي الحجّية عمّا يخالف الكتاب الكريم، من قبيل رواية جميل بن درّاج، عن أبي عبداللَّه عليه السلام أ نّه قال: «الوقوف عند الشبهة
[1] وسائل الشيعة 27: 110، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 11.