بين دليل الإلزام في الخطاب الشمولي ودليل الترخيص في الخطاب البدلي، وقد تقدّم[1] أ نّه متى تعارض دليل الترخيص مع دليل الإلزام قدِّم الثاني على الأول.
ونلاحظ على ذلك: أنّ حرمة إكرام الفقير الفاسق تنافي الوجوب بنفسه مع فرض تعلّقه بصرف وجود الفقير بلا قيد العدالة، بقطع النظر عمّا يترتّب على ذلك من ترخيصاتٍ في التطبيق، فالتنافي إذن بين إطلاقي حكمين إلزاميّين.
اللهمّ إلّاأن يقال: إنّ الإطلاق البدلي للأمر بالإكرام حالُه عرفاً كحال إطلاق أدلّة الترخيص، في أ نّه لا يفهم منه أكثر من عدم وجود مقتضٍ من ناحية الأمر للتقيّد بحصّةٍ دون حصة، فلا يكون منافياً لوجود مقتضٍ لذلك من ناحية التحريم المجعول في الدليل الآخر.
5- إذا تعارض أصل مع أمارة، كالرواية الصادرة من ثقةٍ فالتعارض- كما أشرنا سابقاً[2]– إنمّا هو بين دليل حجّية الأصل ودليل حجّية تلك الرواية؛ وفي مثل ذلك قد يقال بالورود بتقريب: أنّ موضوع دليل الأصل هو عدم العلم بما هو دليل، ودليل حجّية الخبر يجعل الخبر دليلًا، فيرفع موضوع دليل الأصل حقيقةً وهو معنى الورود.
ولكنّ أخذ العلم في دليل الأصل بما هو دليل لا بما هو كاشف تامّ يحتاج إلى قرينة؛ لأنّ ظاهر الدليل في نفسه أخذ العلم فيه بوصفه الخاصّ.
وقد يقال بالحكومة بعد الاعتراف بأنّ ظاهر دليل الأصل أخذُ عدم العلم في موضوعه بما هو كاشف تامّ؛ وذلك لأنّ دليل حجّية الأمارة مفاده التعبّد بكونها علماً وكاشفاً تامّاً، وبذلك يوجب قيامها مقام القطع الموضوعي المأخوذ- إثباتاً أو نفياً- موضوعاً لحكمٍ من الأحكام. ومن أمثلة ذلك: قيامها مقام القطع المأخوذ
[1] في النقطة الثالثة من تطبيقات الجمع العرفي.
[2] في تمهيد بحث التعارض، تحت عنوان: ما هو التعارض المصطلح؟.