السابقة[1]– ليس من التعارض، سواء كان الدليل الوارد محقِّقاً في مورده لفردٍ حقيقيٍّ من موضوع الدليل المورود، أو نافياً في مورده حقيقةً لموضوع ذلك الدليل.
أمّا في الأول فواضح. وأمّا في الثاني فلأنّ التنافي إنمّا هو بين المجعولين والفعليّتين، لا بين الجعلين، فالدليلان (الوارد والمورود) كلاهما حجّة في إثبات مفادهما، وتكون الفعلية دائماً لمفاد الدليل الوارد؛ لأنّه نافٍ لموضوع المجعول في الدليل الآخر.
وعلى هذا صحّ القول بأنّ الدليلين إذا كان أحدهما قد اخذ في موضوعه عدم فعلية مفاد الدليل الآخر فلا تعارض بينهما، إذ لا تنافي بين الجعلين، ويكون أحدهما وارداً على الآخر في مرحلة المجعول والفعلية.
ثمّ إنّ ورود أحد الدليلين على الآخر يتمّ- كما عرفت- برفعه لموضوعه، وهذا الرفع على أنحاء:
منها: أن يكون رافعاً له بفعلية مجعوله، بأن يكون مفاد الدليل المورود مقيّداً بعدم فعلية المجعول في الدليل الوارد.
ومنها: أن يكون رافعاً له بوصول المجعول لا بواقع فعليته ولو لم يصل.
ومنها: أن يكون رافعاً له بامتثاله، فما لم يمتثل لايرتفع الموضوع في الدليل المورود.
ومثال الأول: دليل حرمة إدخال الجُنُب في المسجد الذي يرفع بفعلية مجعوله موضوع صحة إجارة الجنب للمكث في المسجد، إذ يجعلها إجارةً على
[1] في أوائل بحث التعارض، تحت عنوان: التعارض بين الأدلّة المحرزة.