القائلين بعدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة لا يقولون بذلك في نظائر هذا المثال.
والتحقيق: أنّ الصيغة الأصلية للركن الرابع يمكن أن توضّح بأحد بيانين:
البيان الأول: أنّ عدم القدرة على المخالفة القطعية يجعل جريان الاصول في جميع الأطراف ممكناً؛ لأنّه لا يؤدّي- والحالة هذه- إلى الترخيص عملياً في المخالفة القطعية؛ لأنّها غير ممكنةٍ حتى يتصور الترخيص فيها. وهذا البيان ينطبق على كلّ حالات العجز عن المخالفة القطعية؛ ولذلك يعتبر النقض وارداً عليه.
إلّاأنّ البيان المذكور غير صحيح؛ لأنّ المحذور في جريان الاصول في جميع أطراف العلم الإجمالي هو: أنّ تقديم المولى لأغراضه الترخيصية على أغراضه اللزومية الواصلة بالعلم الإجمالي على خلاف المرتكز العقلائي، كما تقدم توضيحه سابقاً[1]، ومن الواضح أنّ شمول دليل الأصل لكلّ الأطراف يعني ذلك، ومجرّد اقترانه صدفةً بعجز المكلف عن المخالفة القطعية لا يغيِّر من مفاد الدليل، فالارتكاز العقلائي إذن حاكم بعدم الشمول كذلك.
البيان الثاني: أنّ عدم القدرة على المخالفة القطعية إذا نشأ من كثرة الأطراف أدّى إلى إمكان جريان الاصول فيها جميعاً، إذ في غرضٍ لزوميٍّ واصلٍ كذلك- بوصولٍ مردّدٍ بين أطرافٍ بالغةٍ هذه الدرجة من الكثرة- لا يرَى العقلاء محذوراً في تقديم الأغراض الترخيصية عليه؛ لأنّ التحفّظ على مثل ذلك الغرض يستدعي رفع اليد عن أغراضٍ ترخيصيةٍ كثيرة، ومعه لا يبقى مانع عن شمول دليل الأصل لكلّ الأطراف.
[1] في الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة، ضمن مباحث حجّية القطع، تحت عنوان: العلمالإجمالي.