متأخّرةٍ عن الحكم الشرعي. وقد تقدّم[1] المسلك القائل بأنّ الحسن والقبح الواقعين في هذه المرحلة لا يستتبعان حكماً شرعياً.
وكلا الوجهين غير صحيح:
أمّا الأول فلأنّ الاستحباب المولوي للاحتياط إمّا أن يكون نفسياً لملاكٍ وراء ملاكات الأحكام المحتاط بلحاظها، وإمّا أن يكون طريقياً بملاك التحفّظ على تلك الأحكام. وعلى كلا التقديرين لا لغوية؛ أمّا على النفسية فلأنّ محرّكيّته مغايرة سنخاً لمحرّكيّة الواقع المشكوك، فتتأكّد إحداهما بالاخرى. وأمّا على الطريقية فلأنّ مرجعه حينئذٍ إلى إبراز مرتبةٍ من اهتمام المولى بالتحفّظ على الملاكات الواقعية في مقابل إبراز نفي هذه المرتبة من الاهتمام أيضاً، ومن الواضح أنّ درجة محرّكيّة الواقع المشكوك تابعة لِمَا يحتمل أو يحرز من مراتب اهتمام المولى به.
وأمّا الوجه الثاني: فلو سلِّم المسلك المشار اليه فيه لا ينفع في المقام، إذ ليس المقصود استكشاف الاستحباب الشرعي بقانون الملازمة واستتباع الحسن العقلي للطلب الشرعي ليرد ما قيل، بل هو ثابت بدليله، وإنمّا الكلام عن المحذور المانع عن ثبوته. ولهذا فإنّ متعلّق الاستحباب عبارة عن تجنّب مخالفة الواقع المشكوك ولو لم يكن بقصدٍ قربي، والعقل إنمّا يستقلّ بحسن التجنّب الانقيادي والقربي خاصّة.
النقطة الثانية: أنّ الاحتياط متى ما أمكن فهو مستحبّ، كما عرفت، ولكن قد يقع البحث في إمكانه في بعض الموارد.
[1] في بحث الدليل العقلي من الحلقة الثانية، تحت عنوان: الملازمة بين الحسن والقبحوالأمر والنهي.