وهذا الميزان إنما يراد في الشبهات الموضوعية التي قد يحتاج التمييز فيها إلى دقّة، دون الشبهات الحكمية التي يكون الشكّ فيها عادةً شكّاً في التكليف، كما هو واضح.
وتوضيح الحال في المقام: أنّ الشبهة الموضوعية تستبطن دائماً الشكّ في أحد أطراف الحكم الشرعي، إذ لو كانت كلّها معلومةً فلا يتصور شكّ إلّافي[1] أصل حكم الشارع؛ وتكون الشبهة حينئذٍ حكمية.
وهذه الأطراف هي: عبارة عن قيد التكليف، ومتعلّقه، و متعلّق المتعلّق له المسمّى بالموضوع الخارجي، فحرمة شرب الخمر المشروطة بالبلوغ قيدها «البلوغ»، ومتعلّقها «الشرب»، ومتعلّق متعلّقها «الخمر». وخطاب «أكرم عالماً اذا جاء العيد» قيد الوجوب فيه «مجيء العيد»، ومتعلّقه «الإكرام»، ومتعلّق متعلّقه «العالم».
فإن كان الشكّ في صدور المتعلّق مع إحراز القيود والموضوع الخارجي فهذا شكّ في الامتثال بلا إشكالٍ وتجري أصالة الاشتغال؛ لأنّ التكليف معلوم ولا شكّ فيه؛ لبداهة أنّ فعلية التكليف غير منوطةٍ بوجود متعلّقه خارجاً، وإنّما الشكّ في الخروج عن عهدته، فلا مجال للبراءة.
وأمّا إذا كان الشكّ في الموضوع الخارجي، كما إذا لم يحرز كون فردٍ ما مصداقاً للموضوع الخارجي: فإن كان إطلاق التكليف بالنسبة اليه شمولياً جرت البراءة؛ لأنّ الشكّ حينئذٍ يستبطن الشكّ في التكليف الزائد، كما اذا قيل:
«لا تشرب الخمر» و «أكرم الفقراء» وشكّ في أنّ هذا خمر وفي أنّ ذاك فقير.
[1] في الطبعة الاولى:( من) بدلًا عن( في) والصحيح ما أثبتناه طبقاً لما ورد في النسخةالخطيّة الواصلة إلينا.