شرطية القدرة بالمعنى الأعمّ
تقدم[1] أنّ العقل يحكم بتقيّد التكليف واشتراطه بالقدرة على متعلّقه؛ لاستحالة التحريك المولوي نحو غير المقدور، ولكن هل يكفي هذا المقدار من التقييد، أوْ لابدّ من تعميقه؟
ومن أجل الجواب على هذا السؤال نلاحظ أنّ المكلف إذا كان قادراً على الصلاة تكويناً، ولكنّه مأمور فعلًا بانقاذ غريقٍ تفوت بإنقاذه الصلاة، للتضادّ بين عمليّتي الإنقاذ والصلاة وعدم قدرة المكلّف على الجمع بينهما، فهل يمكن أن يؤمَر هذا المكلف بالصلاة والحالة هذه فيجتمع عليه تكليفان بكلا الفعلين؟
والجواب بالنفي؛ لأنّ المكلّف وإن كان قادراً على الصلاة فعلًا قدرةً تكوينيةً، ولكنّه غير قادرٍ على الجمع بينها وبين إنقاذ الغريق، فلا يمكن أن يكلّف بالجمع، ولا فرق في استحالة تكليفه بالجمع بين أن يكون ذلك بإيجابٍ واحدٍ أو بإيجابين يستدعيان بمجموعهما الجمع بين الضدين، وعلى هذا فلا يمكن أن يؤمر بالصلاة مَن هو مكلّف فعلًا بالإنقاذ في هذا المثال وإن كان قادراً عليها تكويناً. وذلك يعني وجود قيدٍ آخر للأمر بالصلاة- ولكلّ أمرٍ- إضافةً إلى القدرة التكوينية، وهو أن لا يكون مبتلىً بالأمر بالضدّ فعلًا، فالقيد إذن مجموع أمرين:
القدرة التكوينية وعدم الابتلاء بالأمر بالضدّ. وهذا ما نسمّيه بالقدرة التكوينية بالمعنى الأعمّ ولا إشكال في ذلك، وإنّما الإشكال في معنى عدم الابتلاء الذي يتعيّن عقلًا أخذه شرطاً في التكليف فهل هو بمعنى أن لا يكون مأموراً بالضدّ، أو
[1] في البحث السابق، تحت عنوان: شرطيّة القدرة ومحلّها.