الثالثة: مرتبة الظهور التصديقي الكاشف عن مراده الواقعي على نحوٍ يسوِّغ لنا التأكيد على أ نّه أراد كذا وفقاً لهذه المرتبة من الظهور.
والاولى لا تتقوَّم بعدم القرينة، والثانية تتقوّم بعدم القرينة المتصلة، والثالثة تتقوَّم بعدم القرينة مطلقاً ولو منفصلة. والحجّية حكم مترتّب على المرتبة الثالثة من الظهور، فمتى وردت القرينة المنفصلة- فضلًا عن المتصلة- هدمت المرتبة الثالثة من الظهور، ورفعت بذلك موضوع الحجّية.
وهذا الكلام لا يمكن قبوله بظاهره، فإنّه وإن كان على حقٍّ في جعل الظهور التصديقي موضوعاً للحجّية- كما تقدم[1]– غير أنّ الظهور التصديقي للكلام في إرادة المعنى الحقيقي استعمالًا جدّياً ليس متقوّماً بعدم القرينة المنفصلة، بل بعدم القرينة المتصلة فقط؛ لأنّ هذا الظهور منشؤه ظهور حال المتكلِّم في التطابق بين المدلول التصوري لكلامه والمدلول التصديقي [الأوّل]، والتطابق بين المدلول التصديقي الأول والمدلول التصديقي الثاني. والمنظور في هذين التطابقين شخص الكلام بكلّ ما يتضمّنه من خصوصيات، فإذا اكتمل شخص الكلام وتحدّد مدلوله التصوري والمعنى المستعمل فيه، تنجّز ظهور حال المتكلّم في أنّ ما قاله وما استعمل فيه اللفظ هو المراد جدّاً، ومجيء القرينة المنفصلة تكذيب لهذا الظهور الحالي، لا أ نّه يعني نفيه موضوعاً.
ولهذا كان الاعتماد على القرينة المنفصلة خلاف الأصل العقلائي؛ لأنّ ذلك على خلاف الظهور الحالي. ولو كان الاعتماد عليها وورودها يوجب نفي المرتبة التي هي موضوع الحجية من الظهور لمَا كان ذلك على خلاف الطبع، ولكان حاله حال الاعتماد على القرائن المتصلة التي تمنع عن انعقاد الظهور التصديقي على
[1] في بحث حجّية الظهور من هذه الحلقة، تحت عنوان: تشخيص موضوع الحجّية.